فاعلم أن كل جنس فيه الربا فإنه لا يباع شيء منه بجنسه، ومعهما أو مع أحدهما جنس آخر مثل أن يبيع صاع تمر بدينار وبصَاعَيْ تمر من جنسه. وكذلك لا يباع قفيز قمح وقفيز دقيق بقفيز قمح أو قفيزي دقيق، ولا قفيزًا قمح بقفيز قمح وبقفيز دقيق. وكذلك لو كان بدل الدقيق شعيرًا أو جنسًا آخر من الأطعمة، أو عَرْضًا من العروض. وقد منع في كتاب السلم الثالث من المدونة بيع قفيز قمح وقفيز دقيق بقفيز قمح وقفيز دقيق. وأجاز ذلك ابن المواز لأنه قال بجواز بيع قفيزي قمح وقفيز دقيق إذا كان قفيز القمح مثل القمح والدقيق أو أدنى منهما، أو مثل أحدهما أو أعلى من الآخر وأدنى، على حسب ما نجيزه في المراطلة ما بين ذهبين مختلفين بذهب واحد منفرد. فلما قيل لابن المواز: إن مالكًا يمنع من بيع قفيز قمح وقفيز دقيق بقفيز قمح وقفيز دقيق، قال: إنما منعه للذريعة ولا بأس به عندي.
وقال ابن ميسر: لا يعجبني ما قال ابن المواز. فصارت المسألة عندنا على قولين، والمشهور المنع، إذا انضاف جنس مع أحد العوضين، أو انضاف مع كل واحد منهما جنس آخر.
وبالمنع قال الشافعي: وبالجواز قال أبو حنيفة.
وأشار بعض أشياخي إلى أن هذه المسألة خارجة عن أحكام المراطلة بين الذهوب؛ لأن الذهب مما يتساوى ما كان منه من سكة واحدة قطعًا. والتساوي في الأطعمة طريقه الاجتهاد، ولهذا عدل ابن القاسم في التمثيل في المدونة عن المراطلة إلى مثل بيع دينار ودرهم بدينار ودرهم، لكون الدراهم المقابلة للدنانير إنما يعرف مقدارها منها بالتقويم، والتقويم طريقه الاجتهاد، وما طريقه الاجتهاد يغلط فيه ويضاف. وقد خرج في الصحيح أنه عليه السلام أتي في خيبر بقلادة فيها خرز وذهب فأمر - صلى الله عليه وسلم - بالذهب الذي في القلادة فنزع، ثم قال عليه السلام:"الذهب بالذهب وزنًا بوزن" وفي بعض طرق هذا الحديث أنه قال: "اشتريت قلادة فيها خرز وذهب باثنى عشيا دينارًا، ففصلتها فوجدت فيها أكثر