للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاعلم أن أصل هذه اللفظة مأخوذة من الدفع، يقال: ناقة زبون، إذا منعت من حِلابها. وقال معاوية: ربما زبنت، يعني الناقة، فكسرت أنف حالبها. ويقال للحرب: زبون لأنها تدفع بنيها للموت، ومنه سمي ملائكة العذاب زبانية لأنهم يدفعون الكفرة إلى النار. ومنه سمي الرجل المغبون زبونًا لأنه كالمدفوع عن وجه الصلاح له في البيع. وقد ثبّت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - النهي عن المزابنة. فذكر في الصحيح أنه عليه السلام نهى عن المزابنة. قال: والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلًا، وبيع العنب بالزبيب كيلًا، وبيع القمح بالزرع كيلًا (١). وهذا لأجل أن هذه الأجناس إذا بيعَ بمثله كيلًا لم تستحق (٢) المساواة إلا مع كَيْلِهِمَا جميعًا، وإذا كان أحدهما جزافًا أو هما جميعًا جزافان أمكن أن يكون بينهما تفاضل. وقد قدمنا أن تحقق الربا في المنع مثل الشك فيه. فإذا كان التعاوض بما فيه الربا منع لأجل الشك في الربا، ومنع أيضًا لأجل الغرر والتدافع الذي هو المزابنة، وكل واحد من المتعاقدين يقدّر أنه غبن صاحبه. وهذا من الغرر والتخاطر. فإن كان هذا التعاوض مما لا ربا فيه منع أيضًا لأجل التخاطر والغرر، حتى يتبين الفضل في أحد العوضين فيرتفع الخطر والغرر ها هنا عند تبين الفضل يكون أحدهما أكثر من الآخر. فإذا كان التعاوض بجنسين مختلفين انتقلت الأغراض إلى اختلاف منافع الأعْواض فلم يقع التخاطر. فإذا كان العوضان من جنس واحد لم ينصرف الغرض إلا إلى القلة والكثرة. وقد قال في المدونة في آخر كتاب السلم الشاك: كل شيء لا يجوز أن يباع منهما (٣) مجهول بمجهول ولا مجهول بمعلوم حتى يتبين الفضل، ولو كان ذلك ترابًا. وقد عارض بعض الأشياخ هذا الذي وقع ها هنا فقال: إن بيع، ما فيه الربا محرم، يجوز إذا كان مما يكال. وهذا المنصوص عليه في المذهب، وإنما كان ذلك كذلك لأجل أن الميزان قد يتعذر في كثير من الأماكن فتدعو


(١) الموطأ: ٢/ ١٤٨ - ١٤٩.
(٢) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: تتحقق.
(٣) هكذا، ولعل الصواب: منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>