للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الضرورة إلى العدول عنه إلى غيره، وما ذلك إلا بأن يتحرى أن يكون الشيئان يتقابلان في الوزن، وأما المكيال فلا يتعذر وجوده أو وجود ما ينوب (١)، ولو أن يكتال (٢) أحدهما أو بجفنة فالعدول عن المساواة (لا من يشاهد إلى التحرز غررًا) (٣). من غير ضرورة تدعو إليه. ولكن هذا إنما يجوز في القليل لا الكثير، لأنه لا يضبطه التحري ضبطًا يوثق به. ويشترط أيضًا في جواز القليل أن يكون المتعاقدان بحيث يتعذر عليهما الميزان حتى يضطر إلى التحري. لكن ذكر في كتاب السلم من المدونة أنه أجاز السلم في اللحم تحريًا، وقد بينّا هناك معنى هذا التَحري، والسلم إنما يقبض إلى أجل يتأخر عن العقد، ولا يعلم المتعاقدان حينئذٍ هل يتعذر الميزان عند حلول الأجل أم لا، إلا أن يريد إذا أمكن تصوره عند الأجل سومح باشتراط العدول عنه حين العقد، لأجل هذه الضرورة التي تُتَرقَّبُ. ومن الناس من أبقى هذه المسألة على ظاهرها وقال: لا يجوز الاقتصار على التحري إذا تبايعا ما يجوز فيه الربا، لأنهما لا يتحفّظان في التحري لاعتقادهما أنه لا إثم عليهما (٤) في التفاضل. ولم يتكلم ها هنا إلا على ما يجوز التفاضل فيه، ويتكلم في إباحة التحري فيما يوزن من لحم أو خبز فيما فيه الربا، فلا تعارض بين الجوابين، وهذا ضعيف لأنهما يؤمران بالتحري ها هنا، لئلا يقعا في الغرر الذي نهى عنه بطاعتهما للأمر باجتناب الغرر لإطاعتهما للأمر باجتناب الربا. ومن الأشياخ من قال: لم يقصد بهذه المسألة التي ذكرها في آخر كتاب السلم الثالث منع بيع مجهول بمجهول إذا تحريا ذلك كما يجب، وإنما يتكلم على بيع الجزاف بالجزاف لم يقصدا فيه إلى تحري المساواة. وقد ذكرنا أن المزابنة والغرر إنما يتصور بتجانس العوضين، وإذا اختلفا انصرفت الأغراض لاختلاف الأعواض، على حسب ما بيناه، وقد حكموا ببيع المصنوع بالأصل


(١) أي: عنه.
(٢) بياض بمقدار كلمة.
(٣) كلام غير واضح.
(٤) بياض بمقدار كلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>