منه، لكن المذهب على قولين في تعدي البائع على سلعة بإفاتتها ببيع أو غيره.
ومما قد يشكل ها هنا مما هو في معنى الانتفاع لأجل السلف ما قدمنا الإشارة إليه من كون أهل المذهب لم يقدّروا في هذا انتفاع المشتري بالسلعة منفعة تكون عوضًا، لما يتصور في هذه المسألة من التهمة على السلف، مثل أن يشتري البائع ثوبًا أو عبدًا بثمن إلى أجل بمثل الثمن المؤجل نقدًا أو إلى أجل أبعد من الأجل، فإنهم أجازوا ذلك مع كون المشتري انتفع بالعبد أو الثوب على أن يسلف صاحب العبد أو الثوب مائة دينار إذا حل الأجل يأخذها منه بعد حين، ولم يقدروا أن هذا سلفًا من المشتري أسلفه البائعَ عوض ما انتفع بسلعته، لكون الانتفاع إنما يقدر مجرد تهمة في أهل العينة خاصة.
وقد أشار ابن المواز إلى هذا فقال: إن الانتفاع قبل العقد الثاني لا يتهم فيه إلا أهل العينة، لكنه ذكر الانتفاع مطلقًا دون تقييد بانتفاع المثمون. وقد قال بعض المتأخرين: إن القياس يقتضي منع شراء هذه السلعة بمثل الثمن إلى أبعد من الأجل لما صوَّرته فيها من تقدير سلف جر منفعة. وأشار إلى أن أبا الفرج حكى عن عبد الملك منع شراء هذه السلعة بمثل الثمن إلى أبعد من الأجل. ولم أقف لأبي الفرج في الحاوي لما ذكر هذه المسائل في باب العينة، على هذا. وإنما ذكر أبو الفرج عن عبد الملك أنه يمنع أن يبيع الرجل سلعة بثمن إلى أجل ثم يشتريها وسلعة أخرى بذلك الثمن أو بأكثر منه إلى أبعد من ذلك الأجل. وذكر سلعة أخرى تشترى مع تلك السلعة تخرج المسألة إلى معنى آخر غير ما نحن فيه.
والجواب عن السؤال الثالث أن يقال: قد قدمنا أن المعتبر في مسائل هذا الكتاب قوة التهمة على التحيل على ما لا يحل، وقد علم أن الصرف المستأخر محرم. فإذا باع منه ثوبًا بمائة درهم إلى أجل، ثم اشتراه البائع بدنانير نقدًا، فإن الثوب لما بيع ثم رد بعد البيع صار كالمطّرح الملغى، وصار محصول أمرهما على ما قدمناه مرارًا: أن بائع الثوب الأول قد رجع إليه ثوبه وأخرج دنانير نقدًا ليأخذ عوضها دراهم إلى أجل، وهما لو صرحا بأنهما إنما تعاقدا على ذلك لم يجز، فكذلك إذا لم يصرحا ولكنهما اتهما أن يكونا أرادا ذلك، فإنهما يمنعان