يشتريها بخمسين نقدًا، وهي سالمة، فإنه تقوى التهمة أن الحطيطة قصد الزيادة في السلف، وتضعف التهمة إذا حدث بها العيب لوجود سبب تصرف هذه الحطيطة إليه. ولم يجز ذلك مالك أيضًا في إحدى الروايتين عنه مبالغة منه في حماية الذريعة لئلا يقال فيما فيه تهمة قوية: هذا تبعد فيه التهمة. ولهذا اختلف القول أيضًا عندنا فيمن أسلف في فاكهة لها إبّان انقطعت، فتراضيا على الإقالة فيما بقي منها، فقيل: هذا جائز لأجل ظهور سبب غير مكتسب وهو انقطاع الثمرة، وقيل لا يجوز مبالغة في الاحتياط ولإمكان أن يكونا عقدا على ما يعلمان أن بائع الثمرة لا يوفي به وأنه سيرد بعض الثمن ويأخذه سلفًا عنده.
ومن هذا المعنى أيضًا تعدي البائع على سلعة باعها بثمن إلى أجل فلزمته القيمة بتعديه عليها، والقيمة أقل من الثمن الذي باعها به. فقيل: للمشتري أن يغرمه القيمة ويدفع الثمن الذي عليه إذا حل الأجل وإن كان الثمن أكثر من القيمة، ولا يتهمان ها هنا على القصد إلى سلف بزيادة لما كان هذا الثمن الذي هو أقل من الثمن لأجل إنما وجب للمشتري في ذمة البائع بسبب لا طواعية فيه للمشتري ولا اختيار، وإنما أخذ ما هو أقل ودفع بعد حين ما هو أكثر بحكم الشرع والاضطرار، فبعدت التهمة إلى قصد سلف بزيادة لما لم يشترط المتبايعان في السبب الذي أوجب أخذ هذا المقدار القليل من الثمن، وقيل: إذا أخذ القيمة وهي الأقل لا يعطي عند الأجل إلا مثلها، ويسقط عنه من الثمن الذي عليه ما زاد على مقدار ما أخذ من القيمة مبالغة في الاحتياط وحماية للذريعة، فيمنع من دفع أكثر مما أخذ لئلا يقعا في سلف بزيادة. ولم يلتفت من قال بهذا المذهب إلى ضرر البائع وإسقاط بعض الثمن المؤجل الذي عقد البيع عليه ولأجله سمح بالتأجيل، ورأى أن التعدي لما كان من جهته، وقد تعلق بهذا حق البارئ سبحانه وهو منع الزيادة في السلف، وحق له وهو استيفاء الثمن الذي إنما باع نسيئة لأجل ما استوفى من الثمن، وجب أن يسقط حقه ويحمل عليه احتياطًا لحق الله تعالى، مع كون التهمة تبعد إذا أتلف السلعة تلفًا لم يأخذ فيه عوضًا. لكنه لو أتلفها ببيع لكانت التهمة تتطرق إليه وإلى المشتري