للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشترى بها البائع الأول هي خيرًا من السكة التي باع ثوبه بها لما تصوّر في ذلك من بيع بذهب آخر مخالف له إلى أجل. فيمنع هؤلاء المسألة سواء كان بيع هذا الثوب بمحمدية إلى أجل ثم اشتراه بيزيدية إلى أجل، وإن كانت اليزيدية أدنى من ناحية السكة وإن تساوت في المقدار وفي الوزن مع المحمدية لما قدمناه من التعليل.

وسلك بعض الأشياخ طريقة أخرى في التعليل لما في المدونة فقال: إنما منع ذلك لأن اليزيدية دون المحمدية، وقد قدمنا أن من باع ثوبًا بدراهم ثم اشتراه بأقل من تلك الدراهم أنه يمنع لأجل ما في ذلك من التحيل على الربح في السلف. فهؤلاء يجيزون أن يبيع هذا الثوب بمائة درهم يزيدية إلى شهر ثم يشتريه بمائة محمدية إلى شهر لأنه إنما اشترى البائع الأول بثمن هو أكثر مما باع، وقد قدمنا أن هذين المتبايعين يتهمان على قصد التحيل على الربح في السلف لا على الخسارة فيه.

وقد وقع لابن القاسم وعبد الملك في هذا الأصل اعتبار نفي التهمة بأن لا يتصور في المسألة ربح في السلف فأجازا أن يبيع بسكة إلى أجل ثم يشتري السلعة بسكّة ينقدها هي مثل السكّة التي باع بها أو أعلى منها؛ لأنه إذا باع بأعلى منها خسر فضل زيادة السكّة التي دفع والتأجيل. وإذا كانت السكّة التي اشترى بها مثل الأولى، فلا ربح له وإن ساوتها في القيمة. وإذا لم يتصوّر الرّبح فلا وجه للمنع. ولو كانت السكة التي يشتري بها البائع الأوّل لها فضل على تلك بزيادة عدد، لكن لتلك التي باع بها فضيلة تساوي فضيلة ما اشترى به، فإنّ ذلك يجوز لارتفاع التهمة.

واعلم أنّ مدار هذه المسئلة والتي قبلها على النّظر في الباب حماية لهذه الحماية التي بني عليها مسائل هذا الكتاب. فمن رأى أنّ الأصل تحليل كلّ بيع لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (١)، فإذا ضعفت التهمة أو أشكلت أُبقيتْ المسئلة على هذا الأصل الشرعي، قال بالجواز في مثل هذه المعاني.


(١) سورة البقرة: ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>