ومن بالغ في الاحتياط وجعل للحماية حماية بني هذا الأصل على محاذرته.
والجواب عن السؤال الخامس أن يقال: قد تقرّر ما يمنع من بياعات الآجال إذا وقعت بالعين، ثمّ اشترى البائع ما باعه بأقلّ أو أكثر على ما اقتضاه التفصيل الذي قدّمناه. فإن وقع هذا الممنوع، فإنّه يجب فيه الفسخ، وهاهنا بيعتان واحدة بعد أخرى. فأمّا البيعة الأخيرة، فإنّها تفسخ إذا كانت السلعة قائمة لم تفت من غير خلاف منصوص في المذهب. لكن بعض أشياخي أشار إلى أن ابن عبدوس لا يوجب الفسخ وردّ السلعة من يد مشتريها الأخير الذي كان هو البائع الأول.
والذي كان ينقله غيره عن هذا المذهب الّذي حكاه ابن عبدوس عن غيره أنّه إنّما منع من ردّ السلعة من يد قابضها وهو المشتري الأخير بشرط أن تفوت.
وأمّا إذا فاتت السلعة في يد مشتريها الأخير الّذي هو البائع الأوّل فإنّ المعروف من المذهب فسخ البيعة الثّانية، إلاّ ابن مسلمة فإنّه أمضاها على ما هي عليه، ورأى أن الفسخ احتياطًا (١) مخافة أن يكونا أبطنا فسادًا خلاف ما أظهراه من الصحّة. والتّهمة في هذا لا تجري مجرى اليقين. وقد ذهب إلى جواز البياعات الّتي منعناها. فحسن عند ابن مسلمة الفسخ إذا كانت السلعة قائمة بعينها احتياطًا. فإذا فاتت مضت هذه البيعة مراعاة للخلاف في أصل جوازها ولما يقتضيه الفسخ من غرامة قيمة، فيلحق الضّرر لأجل غرامة هذه القيمة.
وأمّا البيعة الأولى، فالمعروف من المذهب فسخها أيضًا مع الثانية إذا فاتت السلعة، وقد قال ابن الماجشون: تفسخ البيعتان سواء كانت السلعة قائمة أو فائتة. وقال ابن القاسم: تفسخ البيعة الثّانية خاصة إلاّ أن تفوت السلعة فتفسخ البيعتان. وذكر ابن أبي زمنين في هذا تفصيلًا فاعتبر القيمة الواجبة على البائع الأوّل الّذي قبض السلعة في البيعة الثّانية، فإن كانت قيمتها الواجبة عليه أقلّ من الثّمن المؤصّل، فسخت البيعتان جميعًا، لأنّا إنّما منعنا هذه البياعات