مطلقًا ومفصّلًا. وقد نقلنا عن المذهب فسخ البيعتين جميعًا نقلًا مطلقًا. وقيد النّقل في بعض الرّوايات أنّ الفسخ تسلط على البيعتين جميعًا إلاّ أن يظهر أنهما لم يقصدا العينة، مثل أن يجدها في السوق تباع فيشتريها، فإنّ الفسخ يختصّ بالبيعة الأخيرة. وهذا لا يستقرّ على القاعدة التي قدّمناها، لأن التّهمة إذا تحقّق ارتفاعها اقتضى الحال إمضاء البيعتين جميعًا، وإذا لم يتحقّق، فسخت الثّانية، لأنّ بفسخها ترتفع التّهمة، أو تفسخ البيعتان جميعًا لما بينهما من الارتباط كما قدّمناه. لكن من قيّد هذه الرّواية بما قدّمناه، رأى فسخ البيعتين. فإذا تبيّن ارتفاع التهمة، حسن الاحتياط بقصر الفسخ على الثّانية خاصّة. وإذا لم يتبيّن، فسخ البيعتان جميعًا لأنّهما في معنى العقد الواحد.
فإذا تقرّر حكم الفسخ مع الفوت فما المفيت ها هنا؟ أمّا ذهاب عينها أو تغيّرها في نفسها، فإنّه يفيتها من غير خلاف على حسب ما يأتي بيانه في تغيّر الأعيان. وأمّا بقاء عينها على حالتها لكن أسواقها اختلفت، فقد اضطرب المذهب فيه. فقيل: إنّه فوت. وقيل: ليس بفوت. وحكى ابن عبدوس أنّ رجلًا سأل سحنونًا عن فوت هذه السلعة، فقال له: لا تفيتها حوالة الأسواق، بل تغيّرُها أو ذهابُ عينها. فإذا تغيّرت في نفسها حتّى وجبت القيمة، هل هي أقل من الثقن فتسقط الزّيادة الّتي زاد الثمن على هذه القيمة؟ أو هي أكثر فيغرم القيمة على الإطلاق على حسب ما قدّمناه من التفسير الّذي ذكرناه؟ فقال له السائل: هكذا سمعنا عن ابن كنانة. قال ابن عبدوس: قال لنا سحنون: أُرْوُوها عن الشيخ ابن كنانة. وسبب هذا الاضطراب الذي نقلناه عن المذهب: أنّا قرّرنا (١) أنّ هذه العقود زُورٌ وأنّ المِلك لم ينتقل، اقتضى هذا كون تغير الأسواق لا يفيتها. وإن لم نقدّر أن هذه التّهمة تجري مجرى اليقين، وإنّما المنع حماية والفسخ مبالغة في الاحتياط لهذه الحماية، وجب أن تفيتها حوالة الأسواق.
وسنوضّح هذا الأصل عند كلامنا على الاختلاف في حوالة الأسواق في مثل هذه المعاني إن شاء الله تعالى.