للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلع، فلم يمنع ذلك، كما لو باع جملة الثّياب كلّها بالفرس أو غيره من السلع الّتي يجوز أن تؤخذ عن هذه الثّياب، كما تقدّم بيانه في كتاب السلم. وأمّا إن أخّر الخمسة ثياب الّتي لم يعاوض منها إلى أجل أبعد من أجلها، فإنّ ذلك ممنوع, لأنّ التأخير للخمسة ثياب بعد حلولها سلف من مؤخِّرها. ومن له دين وأخّره، فإنّ تأخيره سلف وكابتداء تعمير ذمّة بدين هي خالية منه. فإذا تحقّق في التأخير السلف وقارن ذلك المعاوضةَ عن الخمسة الأخرى تصوّر فيه البيع مع السلف، فوجب المنع. وأمّا إن اشترط تعجيل الخمسة ثياب، فإنّ في المدوّنة لابن القاسم المنع منه، وهو المشهور من أصل مذهب مالك وأصحابه. وذكر ابن المواز عن ابن القاسم الجواز، فقال فيمن أسلم ذهبا في عبدين، ثمّ أخذ عبدًا مثل أحد العبدين المسلم فيهما وعرضا معه: إنّ ذلك جائز. مع كون أحد العبدين لما عُجِّل وعوِّض عن العبد الآخر بالعرض المدفوع مع العبد تصوّر فيه البيع والسلف.

وسبب الاختلاف في هذا دون ما تقدّم من القسمين الأخيرين أنّ الذّمّة مشغولة بالعشرة ثياب، ولكن لا يستحقّ قبضها إلَاّ عند حلول الأجل. فمن رأى أنّ ما في الذّمم من الدّيون الآجلة كالدّيّون الحالة (١) لم يقدّر ها هنا سلفًا عجّله من عليه الثّياب لمن أسلم إليه على جهة السلف منه له ليقبضه من نفسه إذا حلّ الأجل، واستحقّ من عجل له الثيّاب قبض الخمسة لمّا حلّ الأجل. ومن رأى أنّ الدّين المؤجّل لا يقدر أنّه كالحال، فإنّ التّعجيل سلف يؤخذ قضاؤه إذا حلّ الأجل، ويسقط عن ذمّة المسلم إليه إذا حلّ الأجل، أنّه كوكيلٍ أجنبيًّ وكّله المتسلّف للخمسة ثياب على قبضها ودفعها عنه لمن له عليه مثلها.

وقد اعتمد حذّاق الأشياخ على صحّة التّعليل بتقدير البيع والسلف كما صوّرناهُ لَكَ (٢). واستضعف ذلك بعض أشياخي ومال إلى ما في كتاب ابن الموّاز، فلم يقدر ذلك سلفًا كما قدّره في المدوّنة، إذ لو قدّر سلفًا لوجب أن لا


(١) في الوطنية: كالدين الحال.
(٢) في الوطنية: كما صورنا ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>