وإن لم يذكر إخراجًا للدّنانير ولا مقاصّة لها، فإنّ ذلك محمول على الوجه الجائز وهو وجوب المقاصّة. وإنّما كان ذلك كذلك ولم يحمل هذا العقد على المعنى الآخر الّذي هو الفساد لأجل أنّ الأصل فيمن له على رجل دين، وللآخر مثله أنّه لا يكلّف واحد منهما إخراج ما عليه، بل الواجب المقاصّة والمحاسبة بمالك لّ واحد على الآخر، ما لم يمنع من اتباع هذا الأصل مانع. والمانع ها هنا اختلاف السكك أو اختلاف الآجال. ولو وقع بيع هذا عبده بعشرة دنانير من سكّة منعوتة على أن يبيع له الآخر عبده بعشرة دنانير من سكّة أخرى، لحمل هذا على الفساد, لأنّ الّذي يستحقّه أحدهما على الآخر من هذه الدّنانير خلاف ما يستحقّه صاحبه عليه. وإذا اختلفت السكك، لم تجب المقاصّة إلاّ بالتّراضي، فإذا لم يصرّحا بالتّراضي على ذلك، بقيا على مقتضى الأصل.
وهكذا الحكم إذا اختلفت الآجال مثل أن يبيع أحدهما عبده من رجل بعشرة دنانير إلى شهر على أن يبيعه الآخر عبده بعشرة دنانير إلى شهرين، فإنّ هذا فاسد, لأنّ المقاصّة لا تجب لكون أحد الدّينين يستحقّ على أحدهما قبلُ، فيلزمه إخراجه قبل أن يستحقّ على الآخر ما عليه لهذا من دين.