واعلم أنّ البيع المؤثّر في صحّته شرط يقارنه في المذهب فيه اضطراب كثير. وذكر أهل المذهب فيه فروعًا كثيرة يكثر تعدادها. ووقعت أجوبة للأئمّة من أصحاب مالك عنها مختلفة. فدعا ذلك شيخنا الفقيه أبا الحسن المعروف باللّخميّ صاحب التّبصرة إلى أن قال: فيه ثمانية أقوال. واشتدّ نكير شيخي الآخر أبو محمّد عبد الحميد عليه هذا الإكثار من الخلاف حتّى أملى عليه في ذلك إملاء بيّن فيه ضعف التّاريخ (١) الّتي عوّل عليها شيخنا أبو الحسن، مع كونه لم يتصوّر له هذا العدد من الأقوال في وجوه مختلفة لا يصحّ أن تكون عن وجه واحد فيه ثمانية أقوال. وكان يرى أنّ الأجوبة عن هذه المسائل إنما اختلفت لاختلاف معاني الشروط المفسدة لها.
فما قيل فيه: إنّ البيع صحيح والشرط باطل، فإنّما ذلك لأنّ الشرط وإن كان مبنيًّا عنه، فإنّه لم يؤثر في الثّمن ولا في المثمون جهالة ولا غررًا، ولا فائدة فيه لمشترطه. فكأنّه لمّا لم يتعلّق به حقّ الله تعالى ولا منفعة لِمشترطهِ ظاهرة، أُسقِط وصحّ البيع.
وإذا كان الشّرط يتضمّن غررًا في الثّمن أو المثمون ومخاطرة، فسد البيع ولو أسقط الشرط. لأنّ الشّرط إذا أسقط، فإنّما سقط بهذا الإسقاط حقّ صاحب الشرط وبقي حقّ الله سبحانه في نهيه عن الغرر في البيوع. مثل أن يبيع أمة عليّة بشرط البراءة من حملها، فإنّ البيع يفسد ولو أسقط هذا الشرط لكون الغرر قد استقرّ في هذا العقد, لأنّ الجارية العليّة لو تحقّق مشتريها أنّ بها حملا، ما رضي أن يدفع من ثمنها عشر ما دفع، كما أنّ البائع لو علم براءتها من العمل لم يبعها إلاّ بأكثر مِمّا باعها به، فإسقاط عيب العمل إن ظهر لا يرفع ما استقرّ من هذا الغرر الّذي حصل في الثّمن. وإذا قيل فيمن باع أمة عليّة بشرط ترك المواضعة إنّ البيع لا يفسد وتجب المواضعة، فإنّه لا يرى أنّ هذا الشّرط يقتضي في الثّمن من الغرر ما اقتضاه شرط المتبرّي من العمل في الجارية الرائعة.