وعلى هذه الأساليب كان شيخنا رحمه الله يجري هذه المسائل الّتي اختلفت الأجوبة عنها.
وقد أشار الشّيخ أبو إسحاق إلى هذه الطّريقة في اعتذاره عن كون البيع الّذي قارنه السلف يصحّ إذا أسقط الشّرط، بأنّ الثّمن ها هنا والمثمون قد قيل: إنّهما سالمان من الغرر، وإنّما الفساد في السلف، وهو أمر خارج عنهما.
فكان ذلك بخلاف ما فسد لأجل ما وقع من الغرر في ثمنه أو مثمونه. ولكن تعقب هذا الاعتذار بأنّ الانتفاع بالسلف هو بعض الثّمن، فأشبه من باع سلعة بمائة دينار وعبد آبق، فإنّ هذا البيع لا يصحّ، ولو أسقط العبد الآبق، لمّا كان بعضَ الثّمن، فكذلك السلف هو بعض الثّمن. بخلاف لو وَقع الثّمن إلى موت زيد فرضي المشتري بتعجيله، فإنّ ذلك لا يصحّح البيع لمّا كان الغَرَر في نفس الثّمن، وهو تعليقه بأجل مجهول، ووقع العقد على غرر. فهذا التّشبيه للسلف بالعبد الآبق ليس بالواضح. والعبد الآبق إذا قارن الثّمن الّذي هو الدّنانير، فإنّ الدّنانير حصل فيها تخاطر بين المتبايعين, لأنّ الآبق لو تحقّق باذله سلامته، لم يرض بتلك الدّنانير بل بأكثر منها. ولو تحقّق عطبه، لم يبذل باذل الدّنانير إلاّ أقلّ مِمّا بذل. فإسقاط الآبق محا عينه ولم يمح أثره الّذي في الدّنانير. والانتفاع بالسلف وإن كان ممنوحًا، فإنّه لم يؤثّر غررًا في الثّمن الّذي قارنه. فإذا أُسقِط، بقي الثّمن سالمًا من الغرر. لكن لو كان عوض الآبق خمرًا، لكان إسقاطه لا يبقي غررًا في الدّنانير الّتي هي بعض الثّمن. لكن هذا يلتفت فيه إلى ما كنّا قدّمنا الكلام عليه من حكم صفقة جمعت حرامًا وحلالًا، وقد بسطناه هنالك، وهو مِمّا يصرف في هذه المسئلة. وقد قيل في المذهب فيمن تزوّج بمائة دينار وعبد آبق: إنّ الآبق إذا أسقط صحّ النّكاح. فأنت ترى كيف أجرى صاحب هذا المذهب الآبق مجرى السلف المقارن للبياعات، ولكنّه إنّما ذكر ذلك في النّكاحات، والنّكاح يسامح في عقده من الغرر بما لا يسامح به في البيوع.
فإذا تقرّر هذا، فاعلم أنّ المذهب على قولين في البيع إذا قارنه سلف،