هل يصحّ البيع إذا أسقط السلف أم لا؟ والأشهر من المذهب أنّ البيع يصحّ إذا أسقط السلف. وقيل: بل يفسخ البيع ولو أسقط السلف، وإليه ذهب محمّد بن عبد الحكم. وذكر الأبهري أن بعض المدنيين رواه عن مالك قال: وهو القياس. وقد أشرنا إلى سبب هذا الاختلاف وأنّ المذهب المشهور بني على أنّ الفساد في غير الثّمن والمثمون. فإذا أزيل الفساد وبقي الثّمن والمثمون سالمين من مقارنته، صحّ العقد. وإنّ المذهب الآخر بني على القياس على أكثر البياعات الفاسدة وأنّ الفساد في البيع والسلف قد يتصوّر في الثّمن، على حسب ما ذكرناه وذكرنا ما قيل فيه. وهذه المسئلة قد تتعلّق باختلاف أهل الأصول في النّهي، هل يدلّ على فساد المنهيّ عنه أم لا؟ وقد ذكرنا أنّ النبيّ عليه السلام نهى عن البيع والسلف كما قدّمناه، والنّهي يدلّ على فساد المنهيّ عنه وردّه.
وقد قال أيضًا في الحديث:"من أحدث في ديننا ما ليس منه، فهو ردّ"(١)، والمردود لا يمضي. وإذا قيل: إنّ النّهي لا يدلّ على فساد المنهيّ عنه نظر في المسئلة من جهة أخرى، وهي: هل حصل الإخلال بشرط من شروط صحّة البيع وانعقاده أم لا؟ والتُفِت حينئذٍ إلى كون هذا الفساد خارجًا عن الثّمن والمثمون أو مرتبطًا بهما. كما ينظر أيضًا فيمن باع جارية على أن يتّخذها أمّ ولد، هل يقتضي النّهي فساد المنهيّ عنه فيفسخ البيع، ولو أسقط هذا الشّرط الّذي هو اتّخاذها أمّ ولد، أو يصحّ البيع بإسقاط هذا الشرط منفصلًا عن الثّمن والمثمون، لم يحدث فيهما غررًا. واختيار كثير من الأشياخ كون الشّرط إذا سقط، لا يصحّ البيع والسلف وما في معناه من الشّروط، لكون العقد وقع على الفساد وهو ثمن واحد لا يتبعّض ولا يتعدّد. فالفساد إذا دخله أثَّر في كلّية العقد وجملته وسرى ذلك إلى الثّمن والمثمون وصيّرهما فاسدين في أنفسهما. لأنّ السلف إذا كان من المشتري، فهو بعض الثّمن، وإن كان من البائع فهو بعض المبيع، وفساد بعض الثّمن أو بعض المثمون يفسد جميعه.
(١) اتفق عليه الشيخان، ولفظ البخاري "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد" اللؤلؤ والمرجان: حديث ١١٢٠.