بهذا، كالإبطال والتّفاسخ للعقد الأوّل. ويقدّر أنّ الشّيخ أبا محمّد بن أبي زيد أنّ رضا المشتري (١) بما أسقطه البائع من شرط لا ينوب عن ما يجب عليهما من فسخ العقد الفاسد، وإنّما محصول ما وقع منهما إمضاء البيع الأوّل مع إسقاط الشّرط الّذي قارنه، فلم يحصل منهما سوى إسقاط الشّرط، والعقد لم يتفاسخاه.
وكان شيخي أبو محمّد عبد الحميد رحمه الله يشير في هذا الأصل إلى الاختلاف في البيع الفاسد، هل هو ليس بعقد لمّا ردّه الشّرع ولا ناقل للملك فلا يفتقر إلى حلّه، أو يقدّر أنّه حصل له شبهة العقد، فيفتقر لأجل ذلك إلى التّراضي بفسخه.
والجواب عن السؤال الثّالث أن يقال: قد أوقع في المدوّنة على هذا البيع تسمية كونه بيعًا. واعتلّ لفساده بأنه لا يجري مجرى الرّهان، بل يجري مجرى البياعات الفاسدة. وقد وقع في المستخرجة فيمن باع أرضًا على أنّه متى جاء بالثّمن ارتجعها، فبنى المشتري فيها أو غرس، أن ذلك فوت، والغلاّت للمشتري لكونه ضامنًا لها. لكن وقع أيضًا في رواية أخرى فيمن اشترى حائطًا فبنى فيه وحفر، أنّ الغلاّت له, لأنّ ضمانه منه، ويردّ الحائط على بائعه ويغرم البائع ما أنفق المشترى في البناء والحفر.
فقد اتّفقت هاتان الرّوايتان على أنّ ذلك لا يجري مجرى الرّهان في الاغتلال ولا في الضمان. لكن اختلف في حكم ما أحدث المشتري فيها، فقيل: إنّه فوت، كما يكون ذلك فوتًا في سائر البياعات الفاسدة. وقيل: لا يكون فوتًا, لأنّ سائر البياعات الفاسدة تعاقد فيها البائع والمشتري على أنّ الملك يتأبّد للمشتري ولا يرجع إلى البائع. وها هنا دخلا على أنّ الملك لا يتأبّد للمشتري، بل هو موقوف على خيَرة البائع متى شاء ردّ السلعة إلى ملكه ودفع ثمنها. فوقع إحداث المشتري لما أحدثه. وهو يُجوِّز أن يكون البائع يرتجع ملكه، فصار كمسقط حقّه في التّفويت.
(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: يرى أن رضا المشتري.