للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك أيضًا يجري فيه التّعليل الآخر لهديّة المديان لأنّه إنّما يشتري بالنّسيئة عند شدّة حاجته وضرورته، فتمنعه هذه الحاجة والضرورة من القيام مخافة أن يسيء البائع اقتضاءَه في الثّمن. وقد قدح (١) بعض المتأخّرين في تعليل من علّل منع التّصديق في القرض على أنّ قابضه مصدّق في كيله مع تجويز أن يجد نقصًا، فيتجاوز عنه رجاء التّأخير. وهذا عندي قد ينفصل عنه بأنّ التّصديق إذا أسلم (٢) البائع بخوف المشتري أو المقترض خصام الدّافع وتكذيبه لئلاّ يوحشه فيسيء اقتضاءه، وهذا هو الغالب في العادة أنّ تكذيب الدّافع المتفضّل بالقرض أو الّذي هو كالمتفضّل ببيع النّسيئة مِمّا يؤدّي إلى الشّنئان. وإذا كان مالك الطعام سلّمه على تصديق المقترض أو المشتري، فإنّه لم تدعه ضرورة إلى هذا التّصديق فيلتزمه لأجل الضّرورة، ولولا أنّه يشق لمن سلم ذلك إليه ورضي بما يقول لما دخل معه على تصديقه. ألا ترى أنّ مالكًا أباح شراء الطّعام على التّصديق إذا بيع بالنّقد لكون قابضه لا يتخوّف غالبًا من جهة البائع. ومنع منه إذا كان يشتري بالنّسيئة لما يتخوّف مشتريه من بائعه إذا أساء إليه. وقد قال بعض الأشياخ: إنّ القرض إذا وقع على تصديق قابضه، لم يفسخ. وقال أبو بكر بن عبد الرّحمان فيمن اشترى طعامًا بثمن مؤجّل على تصديق قابضه: إنّ ذلك يفسخ. قال: وقد كره التّصديق فيه، وإن بيع بالنّقد، فكيف بالنّسيئة؟ ولمّا سئل مالك عن علّة منع التّصديق في بيع الطّعام نسيئة، فقال: يدخل ذلك أمور شتّى ولم يفسرها. وقد ذكرنا نحن ما قيل فيها، كما كنّا قدّمنا في كتاب السلم التّعليل بأنّ الله سبحانه ندب إلى رفع التّشاجر والخلاف، ولهذا أمر بالإشهاد في التّبايع، وبسطنا القول فيه هناك.


(١) في الوطنية: خرّج.
(٢) هكذا في النسختين.

<<  <  ج: ص:  >  >>