ينبغي أن يتحرّى الوزن. ولكن تحرّيه لا يمكن إلاّ بأن يتحرّى وزن الدّقيق الّذي خبز منه خبز الفرن، والدّقيق الّذي خبز منه خبز التنّور، لكون الوزن إن اعتبر تساويه في موازنة الخبزين، لكان ذلك لا يوثق به، لكون أحد الخبزين يكون فيه من الماء أكثر من الآخر، فيوقع هذا في التّفاضل، فدعت الضّرورة إلى اعتبار وزن الدّقيقين وإن كان الدّقيق مِمّا يكال، فجعل ها هنا مِمّا يوزن اتّباعًا لحكم الخبزين المطلوب التّساوي بينهما. فبهذا يعلم التّماثل بين الخبزين ويؤمن مِمّا يوقع فيه اختلافُ ما عجنَا به من اختلاف مقدارهما. وقد كتب ابن اللّبّاد بخطّه على هذه المسئلة أنّ سحنونًا قال: كلّ ما يوزن فلا بأس بالتّحرّي فيه. وهذا يمكن أن يكون أشار إلى الالتفات إلى هذه الطّريقة أو إلى القدح في جواز التّحرّي في هذا وربّما كان هذا أظهر.
والجواب عن السؤال الخامس أن يقال: كنّا قدّمنا في كتاب السلم الثّاني الكلام على جواز التّصديق فيما يشترى من الطّعام. ونحن نشير إلى ذلك ها هنا على الجملة. فالطّعام المقترض لا يجوز اقتراضه على تصديق دافعه في كيله. واختلف في تعليل ذلك، فقيل: لأنّه يقع فيه المخاطرة، فيأخذ قفيزًا من قمح على أنّه يردّ قفيزًا، مع تجويزه أن يكون دافع الطّعام القرضِ كذَبَ في كيله، فقد ضمن ردّ مكيلته معلومة وهو لا يعلم: هل حصلت له أو أكثر منها أو أقلّ؛ وهذا نوع من الغدر والمخاطرة، وذلك يقتضي المنع. وقيل: إنّما ذلك لأنّه قد يجد قابض الطّعام نقصًا، فلا يطلبه رجاء أن يكون دافع الطّعام يؤخّر به ويحسن في اقتضائه، فيكون ذلك كهديّة المديان. وسنذكر وجه منعها، وكذلك علّة النّهي في المنع من شراء الطّعام بثمن إلى أجل على تصديق بائع الطّعام في كيله. وأشار ابن حبيب وابن عبدوس إلى أنّ علّة المنع المخاطرة بالتزام ثمن عوضًا عن مكيلة لا يتحقّق مبلغها، فكأنّه قبضها والتزم الثّمن مخاطرًا في العوض عنه.