زمن الغلاء بثمن كثير، ولم يؤخّره ليأخذ عنه قمحًا جديدًا يكون ثمنه أقلّ مِمّا يحصل للدّافع لو باعه في زمن الغلاء. فأنت ترى كيف سومح في هذا كلّه إذا قصد بالسلف الرّفق والإحسان. ونص على إباحة هذا في السفاتج إذا كان القصد الرفق والإحسان. ولكنّه أمران يضرب للسلف أجل. فإذا حلّ الأجل، استحقّ أخذه حيثما وجد المتسلّف له. فإن لم يضربا أجلًا، ضرب لذلك من الأجل مقدار مسافة البلد.
والجواب عن السؤال الرّابع أن يقال: منع في المدوّنة من أسلف رطلًا من خبز الفرن بشرط أن يأخذ في القضاء عنه رطلًا من خبز التنّور، وأباح أن يقضى عن الرّطل الّذي خبز في الفرن رطل مِمّا خبز في التنّور، إذا تحرّيا الصّواب. فأمّا وجه المنع من الاشتراط إذا تضمّن ذلك منعه (١) الدّافع، فإنّه واضح. وإن لم يتحقّق ذلك وتحقّق فيه حصول ربا النسا في العين أو الطّعام، فإن ذلك أيضًا يتّضح منفعة إذا كان بمعنى المبايعة. وقد ذكر في المدوّنة، في جواز قضاء هذا عن هذا إذا لم يكن بشرط في أصل السلف، التّقييدَ بتحرّي الصّواب. وهذا إنّما ذكره تنبيهًا على أحكام الرّبا، والوجه الّذي يعرف به التّماثل بين الطّعامين المخلص من الرّبا. وقد تقدّم في كتاب السلم في بيع العجين بالعجين أنّه لا يجوز متفاضلًا. وإنّما يعتمد في نفي التّفاضل على تحرّي ما في العجينين من دقيق، فإذا تساوى كيل الدّقيقين اللّذين عجنا، جاز مبادلة أحدهما بالآخر، على القول بجواز التّحرّي فيما فيه الرّبا، وأنّه يقوم مقام الكيل. وهكذا في الموّازيّة في سلف خبز مخبوز في الفرن يقضى عنه خبز تنّور، أنّ ذلك يتحرّى فيه الكيل.
واستبعد بعض أشياخي هذا، فقال: إنّ الخبز قد صار بصنعته كصنف آخر، فجرى الرّبا بين الخبز والدّقيق لأجل أنّه كصنف آخر، والخبر مِمّا يوزن، فلا معنى للتحرّي بالكيل، ويعتبر فيه ما يستعمل في صنف آخر وهو الدّقيق، وقد حكمنا يكون الدّقيق كجنس آخر مخالف للخبز، فكيف يعتبر الرّبا ويحصل العلم على السلامة في شيء بما يستعمل في جنسٍ خلافه يجوز الرّبا بينه وبينه، ولكن