وأيضًا فيستفيد الأمنَ مِمّا يتخوّف عليها من الطّريق. وإذا كانت هذه منافع مقدّرة متصوّرة في الطّعام والعروض، وجب المنع. فإذا كان القرض عينًا، فإنّ العين لا يكرى على حمله ولا يشقّ السفر به، فارتفع فيه تقدير هذه المنفعة وهي مقصودة في الغالب، ويبقى النّظر في الانتفاع بالضّمان. فإن لم يقصد دافعه طلب ضمان قابضه له، لم يبق وجه يوجب المنع. وإن قصد الضّمان، وجب أيضًا المنع وهو المذهب المشهور. واقتضت أيضًا أحكام الضّرورة وصيانة الأموال وما يلحق صاحب المال من شدّة الضّرر في منعه من صيانة ماله أو الانتفاع به إلى التّرخيص في مثل هذا. ويرفع الحرج فيه كما سبق بيانه في كتاب الصّرف لمّا ذكرنا أنّ أحد القولين عندنا جواز أن يأخذ صاحب الذهب المكسور من صاحب السكّة ذهبًا مسكوكًا، ويدفع صاحب الذّهب المكسور إجارة الضّرب إذا اضطرّ صاحب المال لذلك خوفًا من أن تفوته رفقة أو غير ذلك. فكذلك ها هنا تبيح الضّرورة إلى صيانة هذا المال من غرر الطّريق هذا السلفَ، وإن قصد فيه هذه المنفعة، فيكون الطّعام والعروض أبعد عن التّرخيص فيه من العين لأنّ فيه مع حصول الضّمان والأمن من غرر الطريق رفعَ مؤنة العمل والكراء. لكنّه مع هذا قد وقع شاذّ في المذهب في التّرخيص فيه التفاتًا للضّرورة أيضًا. فأباح حمديس في مختصره للحاج أن يتسلّف طعامًا بشرط أن يقبض ببلد آخر، ومنع ذلك في المدوّنة إذا اشترط ذلك في أصل السلف وهو المشهور من المذهب. وقد يتصوّر أيضًا في قرض الحجاج هذا الطّعام أنّ القصد الرّفق والإحسان لقابض السلف، فيكون جواز هذا مبنيًّا على هذا القصد، كما قلناه في السفاتج، وهو قرض العين ليقضى ببلد آخر. وقد أباح في المدوّنة أن يقرض من له زرع شيئًا من زرعه لمن يتولّى حصده ودراسته، فإذا صار حبًّا قبض ذلك سلفًا إذا كان فاعل هذا لا يدفع له كبير مؤنة عن صاحب الزّرع لكونه محتقرًا في جانب زرعه. وهكذا أباح في كتاب ابن حبيب في سنة الشّدّة أن يقرض من له طعام قد ساس وقدم طعامَه هذا ليقضى طعامًا جديدًا سالمًا من السوس لما ظهر أنّ مثل هذا لا يقصد به المنفعة لدافعه بل لقابضه, لأنّ دافعه لو شاء لباعه في