الأصل والاختلاف فيه. وقد منع ذلك ابن القاسم سلم ثوب في مثله على جهة المبايعة، وأجازه الوقار. ووقع أيضًا في المدوّنة اعتبار القصد في هذا على حسب ما حكيناه. وفي الموّازيّة تعقّب هذه العبارة بأن قيل لمن قال: أقرضتُ ثوبًا في مثله: ثقلتَ وأفسدتَ. ورأى أنّ حكم القرض تخيير القابض بين ردّ العين أو ردّ المثل. فإذا حصر الآمر (١) السائل إلى ردّ المثل، فقد أخرج القرض عن حكمه. وقد كنّا بسطنا الحكم في هذا في كتاب السّلم. وهل النّساء ممنوع في بيع العرض بمثله أو بأكثر منه من جنسه علّة في المنع لكون ذلك ربا؟ أو يمنع حماية للذّريعة لئلاّ يتحيّل على سلف بزيادة؟ فتارة اعتبرت ظواهر الألفاظ والبيع يفيد المكايسة والمتاجرة، وهذا المعنى لا يصلح في القرض. وتارة اعتبرت القصود لمّا كانت هذه العبارات ليست بعلَم على القصود يوثق به.
والجواب عن السؤال الثالث أن يقال: لا يخلو القرض من أن يكون عينًا أو ما ليس بعين. فإن كان عينًا مثل أن يسلف دنانير أو دراهم ببلد على أن يُقبضه المتسلّف ذلك ببلد آخر، فإنّ هذا يعتبر فيه القصد. فإن قصد دافع القرض الإحسان بذلك إلى قابضه والرّفق به، جاز ذلك. وإن قصد أن يضمنه له قابضه لما يتخوّف من غرر الطّريق، فإنّ في ذلك قولين: أحدهما أنّ ذلك ليس بجائز والثّاني جوازه.
وسبب الاختلاف في هذا أنّه قد تقرّر عندك ما قدّمناه مرارًا أنّ السلف المشترط فيه النّفع لا يجوز. فإذا اشترط زيادة على ما أسلف, فذلك نفع محسوس لا إشك الذي منعه. وإن لم يشترط زيادة ولكن تضمّن السلف من النّفع ما هو بمعنى الزّيادة، فإنّ ذلك ممنوع أيضًا، مثل ما صوّرنا في كتاب السلم وغيره من مسائل الرّبا الّتي يكون الرّبا محسوسًا ومعنويًّا مقدّرًا.
وقد علم أنّ الطعام والعروض إذا أسلفها مالكها في بلد ليقبضها في بلد آخر، فإنّه يحصل له في ذلك منفعة حمل مؤنة الكراء أو مشقّة السفر بها عنه،