أخرى. ورأى مرّة أخرى أنّ الأجل في السلم حق لهما جميعًا، فلا يجبر من هو عليه على تعجيله قبل أجله، ولا من هو له على قبوله قبل أجله، فصار عدم الحلول يوجب قصد المكايسة منهما جميعًا لكون الأجل فيه حقًّا لهما، فاعتبر حلولهما خاصة. والقرض الآجل حقّ لمن هو عليه لا لمن هو له، فلم يتّضح اختلاف الغرض فيه لكون الأجل حقًّا لواحد منهما دون الآخر، بخلاف السلم الّذي الأجل فيه حقّ لهما جميعًا.
هذا حكم الطّعامين إذا كانا متماثلين. ولو كانا جنسين وقد حلاّ جميعًا، فإنّ ذلك يمنع، إلاّ أن يكونا من قرضين. لأنّه إذا كان لأحد الرّجلين على الآخر قمح، ولهذا عليه تمر، فإنّ المقاصّة بين التّمر والقمح ليست مقاصّة على الحقيقة، وإنّما هي بيع طعام بطعام فيهما الأغراض (١) فمنع، إلاّ أن يكونا حلاّ جميعأوهما من قرض، فإنّه ترتفع علل المنع إذا تناجزا في التّقابض. وقد علم أنّ بيع القرض قبل قبضه جائز.
وأمّا إن لم يحلاّ جميعًا، فإنّ ثبوت الأجل فيهما أو في أحدهما يقتضي النّساء والتّأخير في بيع طعام بخلافه. وقد علم أنّ من شرط بيع الطعام التّناجز كالصرف، وحصول الأجل فيهما أو في أحدهما يمنع التّناجز. هذا هو الطّريق المشهور من المذهب. لكن إذا قلنا: إنّ المقاصّة القصد بها المتاركة والمباراة لا مبايعة منسي بمنسيّ، وأنّ ما في الذّمم من المؤجّل كالحال، اقتضى هذا جواز ما منعناه في هذا الوجه لأجل علّة النّساء. وهكذا إذا جرى فيما تقدّم من المسائل اقتضى جواز كثير مِمّا منعناه فيما تقدّم وما نمنعه في ذلك مِمّا يعدّ إذا كان علّة المنع النّساء والتأّخير.
والجواب عن السؤال الرّابع أن يقال: أمّا العروض، فإنّ التّقاصص فيها يتنوّع إلى ما ذكرناه من اختلاف الآجال واختلاف الأسباب. فإذا كان لرجل على رجل عروض وللآخر عليه مثلها في الجنسيّة والصفة، فإنّ المقاصّة بينهما جائزة