على الإطلاق من غير التفات إلى تماثل الآجال واختلافها أو تساوي الأسباب واختلافها. وهذا لأنّه لا غرض ها هنا يقتضي التّهمة على القصد على الوقوع في إحدى المحرّمات الّتي تقدّم ذكرها, لكون المتاركة ها هنا والمباراة لا يظهر فيها قصد إلى المكايسة والمغابنة في التّعاوض، لكون كلّ واحد منهما إنّما أعطى مثل ما أخذ سواء بسواء، فكأنّهما لم يتعاوضا، وإذا قدّر كذلك، فلا يتصوّر القصد إلى التّحريم الّذي اعتبرناه في المعاوضة. ولا يتصوّر في هذا من ناحية اختلاف الآجال أيضًا, لأنّ كلّ واحد منهما يقدّر فيه أنّه إن حلّ الأجل، وهو موسر، فإنّه يؤخذ بقضاء ما عليه. وإن حلّ، وهو معسر، فإنّ الطّالب له حبس ما عليه فيما له عنده. وهو أيضًا يوجب أن لا يلتفت لاختلاف الأسباب من كون الدّينين من بيعين أو من قرضين أو أحدهما من قرض والآخر من بيع، لما قدّمناه من أنّ التّماثل يرفع تصوّر اختلاف الأغراض من ناحية الآجال، فكذلك يرفعها من ناحية اختلاف الأسباب.
وأمّا إن اختلف جنسا العرضين مثل أن يكون أحدهما أكسية والآخر أردية، فإنّ الآجال ها هنا إذا اتّفقت، جازت المقاصّة، لكون اتّفاق الآجال يرفع تصوّر القصد إلى المكايسة كما رفعها تساوي العرضين في الصفات. فإذا تماثل العرضان -لم يلتفت إلى اختلاف من ناحيتين بأن تختلف الأجناس وتختلف الآجال- لم تجر المقاصّة إلاّ بشرط أن يحلّ الدّينان جميعًا, لأنّهما إذا حلاّ جميعًا، صارا بحلولهما كمتّفقي الأجلين في مبدإ المعاملة، وارتفع بحلولهما القصد إلى المكايسة. واختلف المذهب إذا حلّ أجل أحدهما، ففي المدوّنة جواز المقاصّة، وقدّر أنه بحلول أحدهما، ارتفع قصد المكايسة فيه، وما يقع في النّفس من التخوّف على الدّين قد أمن منه في جانب ما حلّ، فضعفت التّهمة بالقصد إلى المكايسة. بخلاف أن لا يحل واحد منهما لأنّ المكايسة دائرة فيهما من الطّرفين جميعًا. وفي الموّازيّة المنع من هذا وإن حلّ أحدهما لأجل ما يتصوّر في الّذي لم يحلّ من القصد إلى المكايسة والمخاطرة فيه لكونه مؤجّلًا. هذا حكم المقاصّة بالعرضين المختلفين بالأجناس والمتّفقين في الأجناس والصفات.