للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجواب عن السؤال العاشر أن يقال: قد تكلّمنا في كتاب الضّحايا على منع بيع جلودها لكونها تذبح على جهة التّقرّب إلى الله سبحانه، وقصدًا لأنْ يكون العوض عنها ثوابَه، فلا يصحّ أن يباح طلب العوض من جهة أخرى مخالفة للجهة الّتي أريقت دماء الأضاحي عليها. وكان الأصل منع أكل لحومها ومنع أكل لحوم الهدايا لكونها قصد بها وجه الله تعالى واتّخاذها قربة إليه ولا يرجع فيما تقرّب به. لكنّ الشّرع أن في أكل اللّحوم، فقال تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (١). وإذا جرى هذا مجرى التّرخيص لم يخرج بالرّخصة عمّا وجد فيها. وهذا مبسوط في كتاب الضّحايا.

والجواب عن السؤال الحادي عشر أن يقال: أمّا الماء فقد اختلف في بيعه العلماء. وقد وقع في الآثار النّهي عن بيعه مطلقًا. وفي بعضها أنّه نهى عن بيع فضل الماء (٢). والانتفاع بالماء مباح وليس فيه منفعة مقصودة محرّمة، فكان الأصل جواز بيعه لكون سائر منافعه محلّلة، ولهذا أجزنا بيع ما في دار الإنسان من ماء في ماجل أو في بئر قد احتفره لحاجته إليه واختزن فيه الماء لشربه وطهوره، فتسوغ له المعاوضة عن هذه المنافع المباح جميعها. وإنّما يمنع بيع فضل الماء لكون منبع هذا الماء بالحفر وغير ذلك إذا قصد به تحبيس (٣) ما زاد على مقدار حاجته إليه على ما سنبسطه في موضعه إن شاء الله تعالى.

والجواب عن السؤال الثّاني عشر أن يقال: قد تقرّر أنّ ما حرّمت منافعه حرّم بيعه. فكذلك ما أدّى إلى الوقوع في التّحريم، مثل أن يبيع عنبًا مِمّن يعصره خمرًا، فإنّ العنب مباح الانتفاع به، فجاز لهذا بيعه، فإذا صار خمرًا حرم شرب الخمر. فإذا باعه مِمّن يصنعه خمرًا لشربه، صار معينًا على ما لا يحلّ، وقد قال تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (٤). وكذلك بيع ثوب


(١) سورة الحج ٣٦.
(٢) شرح النووي كتاب المساقاة ج ٦ ص ٤٤٠
(٣) هكذا في النسختين، والصواب: حبس.
(٤) سورة المائدة: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>