للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقال: إنّ الغنم المحروسة بالكلاب في الفيافي والقفار ربّما باتت في المداين في ديار أربابها. وإِذْن الشّرع في اتّخاذ الكلب لحراسة الزّرع وقع مطلقًا لم يفرّق فيه بين نهار ولا ليل ولا مكان. وقد رأيت بعض أصحابنا البغداديين يحتجّ للقول بالمنع من اتّخاذ الكلب حارسًا للدّيار بأنّه قد يطرق الدّار الضيفان والزوّار فيروّعهم وقد يؤذيهم. وأيضًا فإنّه لا يباح تسليط الكلب عليه ولا يعلم مبلغ أذاه له وقد يؤدّي إلى تلاف (١). ورأيت في بعض التّعاليق عن أشياخ القرويين تنازعًا فيه. وقد اختلف النّاس أيضًا فيما أبيح اتّخاذه لصيد أو لحراسة ضرع أو زرع، هل من شرط الإباحة حصول الزّرع والضّرع أو إمكان الاصطياد والعزم عليه، أو يجوز ذلك وإن لم يكن عند، متّخذه زرع ولا ضرع ولكنّه إنّما اقتناه لأجل كونه قد يكسب ذلك ويحتاج إليه؟ فإذا تقرّر ما يجوز من الانتفاع بالكلب وما لا يجوز، وكانت منافعه منها مقصود محرّم ومنها مقصود محلّل، وجب المنع من البيع، لأجل ما قدّمناه فيما سلف. ولا يلزم إذا أُلزِم قاتلُه القيمةَ أن يجوَّز البيع، لأنّ البيع معاوضة عن جملة منافع منها محلّل ومحرّم، ومقدار ما ينوب كلّ واحد من الثّمن لا يتميّز، والتّقويم إنّما يكون مبنيًّا على ما يقابل ما أتلف عليه مِمّا يصحّ له ملكه والانتفاع به. وإلزام القيمة وهي مجهولة قبل النّظر فيها لا أصل له في المنع كما يلزم من أتلف ثوبًا قيمته، وبعد إلزامه ذلك ينظر في مقدارها.

والجواب عن السؤال التّاسع أن يقال: أمّا الصّور فممنوع بيعها، وممنوع إنشاؤها لما ورد من الأخبار في وعيد المصوّرين بعذاب، على حسب ما وقع في الأخبار. وهذا على مذهبنا فيما سوى الأرقام الّتي يحاكى بها الصّور وهي تمتهن، على حسب ما ذكره في المدوّنة، وما ورد به الحديث المستثنى فيه الثيّاب الّتي ترقم (٢). وإذا ثبت منع التّصوير واستعماله، منع البيع لكونه معاوضة على ما لا ينتفع به.


(١) هكذا في النسختين. ولعل الصواب: تلف.
(٢) رواه الشيخان. فتح الباري ج ١٢ ص ٥١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>