للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجوز أم لا؟ فإن قدّرنا أنّه ليس بنجس لأنّه استحال عن كونه خمرًا استحالة غيّرت اسمه وصفاته لكونه يابسًا والخمر مائعة، ولكون الخمر يسكر وهو لا يسكر، لم نقل بنجاسته. وإن قلنا: إنّه بعض أجزائه (١) الخمر الكثيفة والجواهر الغليظة المعتصرة من الأعناب وإنّه أحد أجزاء الخمر الّتي غلت ونشّت، والاستحالة لا تنقله عن حكم النجاسة، قضين ابن جاسته ونظرنا في تصوّر الحاجة إلى إجازة بيعه. فإن تصوّر في ذلك ما تصوّر في بيع الرّجيع والأزبال، جرى الأمر فيه على ما قدّمناه فيها.

وقد اختلف عندنا في عرق السكران، هل هو نجس أو طاهر؟ فقيل بطهارته, لأنّا، وإن قدّرناه دفعته القوّة الطبيعيّة من أجزاء الخمر المشروبة، فما دفعته إلى صحن الجسم إلَاّ وقد استحال وتبدّلت صفاته لمّا كان خمرًا.

والجواب عن السؤال الثّامن أن يقال: اختلف المذهب في جواز بيع الكلب المباح اقتناؤه على قولين. وسبب هذا الاختلاف فيما مضى التّنبيه عليه لمّا ذكرنا كون جواز البيع متعلّقًا بجواز الانتفاع. فالكلب الّذي لا ينتفع به منفعة مأذونًا فيها لا يجوز بيعه، لما قدّمناه من كون إجازة بيعه إجازة لأكل المال بالباطل. والّذي أذن في الانتفاع به قد تقرّر من جملة منافعه أكله. وأكله منهيّ عنه لأنّه داخل في ظاهر قوله: أكل كلّ ذي ناب من السباع (٢). ومن منافعه المباحة الاصطياد به وحراسته الزّرع والضّرع. وأمّا حراسة الدّيار وما فيها من الأموال، فإنّ ذلك مِمّا اختلف النّاس فيه. فمنهم من ذهب إلى إباحة ذلك قياسًا على حراسته الزّرع والضّرع. ومنهم من منع ذلك لأنّه عليه السلام قال: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب" (٣). فحصر هذا الذم بالبيوت الّتي فيها الكلاب.

والزّرع والضّرع إنّما يكون غالبًا في الفيافي والقفار الغير مسكونة، فلا يصحّ قياس حراسة البيوت على حراسة الزّرع والضّرع لما ذكرناه. على أنّه يمكن أن


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: أجزاء.
(٢) حديث. انظر مسلم: إكمال الإكمال ج ٥ ص ١٧٥. مختصر سنن أبي داود: ٣٦٤٥.
(٣) صحيح متفق عليه، فيض القدير: ١/ ٣٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>