للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحيوان، فإنّه يكون نجسًا لكون حياته عدمت من غير تذكية. وأمّا الجمهور الذّاهبون إلى طهارته، فإنّهم يشيرون إلى حصول الاتّفاق على استعماله والتطيّب به في زمن السلف حتّى صار كالإجماع. وقد أشار البخاري إلى الاستدلال على جواز بيعه بحديث أبي موسى أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحديد لا يعدمك من صاحب المسك إمّا تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحدّاد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد ريحًا خبيثة" (١).

فأشار البخاري إلى الاستدلال بقوله: "إمّا تشتريه". وظاهر هذا إباحة الشّراء، ولو كان نجسًا لم يبع ولم يشتر، على حسب ما أصّلناه في منع بيع النّجاسات الّتي لم تضطرّ ضرورة إلى إباحة بيعها. كما لم يجز بيع الخمر لنجاستها وكونها لا ضرورة بالإنسان إلى الانتفاع بها، بل يضرّه الانتفاع بها لكونها تصدّ عن ذكر الله في حقّ الصّلاة، كما قال سبحانه. وقد ذكر أيضًا في الصّحيح دم الشّهداء وشبهه بالمسك في طيب رائحته (٢). وهذا يشعر بطهارته لكون الحديث ساقته (٣) تدلّ على المدحة والثّناء. وأيضًا فإنّا لو سلّمنا أنّه نجس وأنّه من دم الغزلان الّتي يؤخذ منها المسك، كما أشار إليه المتنبّي في قوله يمدح سيف الدّولة:

فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإنّ المسك بعض دم الغزال

فإنّه قد استحال عن كونه دمأوتبدّلت أعراضه وصفاته. وقد قدّمنا أنّ تبدّل الصفات وتغيّر الأسماء والأشكال للأجسام تقتضي تبدّل الأحكام في النجاسة. وهذا إذا سلّمنا كون المسك كلّه صفة واحدة. ويمكن أن يكون يؤخذ منه ذلك بعد التذكية المبيحة لأكله فيكون هذا المقدار من جنسه طاهرًا أيضًا.

ويمكن أيضًا أن يكون يؤخذ منه ولا يؤلمه، وليس الطّريقين اللذين ذكرناهما.

وقد وقع اضطراب في الطّرطر الّذي يشبّب به الصوف إذا صبغ باللّكّ (٤)، هل


(١) البخاري: كتاب الذبائح: باب المسك: ١٢/ ٨٢.
(٢) يشير إلى الحديث الذي رواه البخاري حول دم الشهيد. في نفس الإحالة السابقة.
(٣) هكذا في النسختين، والصواب: سياقته.
(٤) نبات: انظر تاج العروس ج ٢٧ ص ٣٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>