للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وغبن المستسلم لا يجوز، فإن وقع كان للمغبون المقال في الغبن، كما يكون له في النّجش، على حسب ما تكلّمنا عليه في كتابنا المعلم.

وهذا الإختلاف سببه ما وقع من ظواهر تجاذبها المختلفان. فمن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (١) الآية. فيقول من يرى الخيار للمغبون: إنّ الغبن أكل مال بالباطل، فلا يقضى به، لنهي الله تعالى عنه. ويقول من لا يرى الخيار للمغبون: قد استثنى تعالى من ذلك التّجارة استثناء عامًا. وكلّ تجارة الأكل فيها جائز على الإطلاق، كان فيه غبن أو لم يكن. ويقول الآخرون: هذا الاستثناء كأنّه ليس من الجنس ولا عائد للأوّل، وتقدير الكلام: لكنْ التّجارة عن تراض جائزة.

وأمّا أكل المال بالباطل، فلا يقع فيه استثناء. وكذلك نهيه عليه السلام عن إضاعة المال (٢) يتعلّق به من قال: للمغبون الخيار ويقول الآخرون: المراد بإضاعة المال إتلافه في غير غرض صحيح يقتضيه العقل، فأفا ما اقتضاه رأى رجل لغرض صحيح، أخطأ فيه أو أصاب، فغير مراد بهذا الحديث.

وكذلك أيضًا تجاذب حديث حبّان لما شَكَا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه يخدع في البيوع فقال: "إذا بايعت فقل لا خلابة" (٣). ولم يحكم له بردّ ما تقدّم من الغبن. فلو كان يجب لبيّن ذلك، ولقضى له به. ويقول الآخرون: هذا لا حجّة فيه لأنّه لم يثبت عنده الّذي شكاه من الغبن ولا مقداره، ولا يلزم القضاء بما لم يثبت. ويقول الآخرون: قد قال عليه السلام: "لا خلابة"، وهذا يقتضي نفيها، اشترطت أو لم تشترط. ويقول الآخرون: إنّما يقتضي ردّ الغبن إذا اشترط: لا مغابنة. وأمّا إذا لم يشترط ذلك، فلا يردّ. والمراد بهذا اشتراط ألاّ مغابنة، ولو كان للمغبون مقال، لم يفتقر إلى اشتراط.


(١) سورة النساء: ٢٩.
(٢) فتح الباري ج ١٣ ص١١.
(٣) أخرجه أبو داود: بيوع مختصر المنذري٥: ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>