للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أيضًا قد يجاب عنه، قد يراد بهذا التأويل: الكناية عن الغاش.

وقيل المراد: ليس هو على مثل فعلنا وسنَّتنا. وهذا الذي اختاره ابن داوود لأجل ما قدَّمه من القدح في التأويلات التي ذكرناها.

وقد ذكر ابن حبيب من أصحاب مالك أنَّ المراد ليس مثلنا ولا على سنتنا. فأنت ترى ابن حبيب كيف استسهل الجمع بين تأويلين مما قدمنا، وهما نفي المثلية والإتباع على الفعل، فدلَّ على أنَّ المراد بهذين متقارب. وإنَّما المقصود ليس على سنَّتنا ولا متبع لنا. كما حكي في الكتاب العزيز عن إبراهيم عليه السلام: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (١)

ومعلوم أنَّ مراد إبراهيم صلوات الله عليه بقوله: "فإنَّه مني لما أي على سنَّتي وطريقتي وهديي. وكذلك قوله عليه السلام: "من غشَّ فليس منَّا" المراد به على سنتنا وهدينا.

ومما يدل أيضًا على تحريم التدليس ما رواه عقبة ابن عامر الجهني أنَّه عليه السلام قال: "لا يحل لمسلم أن يبيع من أخيه بيعابه عيب إلَاّ أن يبينه" (٢). وقال أيضًا عليه السلام في المتبايعين: "إن صدقا وبيَّنا بورك لها وإن سكتا وكتما محقت بركة بيعهما" (٣). وأمَّا الإجماع فليس بين المسلمين خلاف في تحريم الغش والتدليس في البياعات.

والجواب عن السؤال الثاني أن يقال: إذا ثبت تحريم الغش والتدليس في البياعات لأجل ما قدَّمناه من الأدلَّة، فإن البيع إذا وقع على ذلك لم يمنع من صحَّته وانعقاده. ولا يكون البيع فاسدًا يفسخ وإن رضي به المتبايعان. هذا مذهب فقهاء الأمصار.

ومن الناس من ذهب إلى أنَّ البيع يفسد بذلك، وقرَّر أن التدليس لما ورد


(١) سورة إبراهيم: ٣٦.
(٢) ابن ماجة: تجارات ج: ٤٥.
(٣) فتح الباري ٥: ٢١٦ - وأخرجه مسلم والترمذي وأحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>