للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشرع بتحريمه، صار البائع قد عقد بيعًا منهيًا عنه محرمًا عليه. والنهي يدل على فساد المنهي عنه عند بعض أهل الأصول. وهذه الطريقة التي استند إليها من صار إلى هذا المذهب.

وقد أجيب عن هذا بأنَّ النَّهي إنَّما يدل على فساد المنهي عنه إذا كان النهي لحق الله تعالى، وأمَّا إذا كان لحق الخلق، فإنَّه لا يدل على فساد العقد، والنهي عن التدليس لحق الخلق وكون المشتري لا يحل ظلمه وأخذ ماله بالباطل، فلم يقتض هذا النهي فساد العقد.

وهذا الذي ذكرناه عن ذهاب أصحاب هذه الطريقة إلى اعتبار النهي، هل يتعلَّق بحق الله سبحانه أو بحق الخلق؟ قد ينتقض عليهم بغاصب غصب سلعة فباعها فأراد ربها لما مكن منها أن يجيز البيع، فإنَّ المشهور عندنا من المذهب أنَّ ذلك له. وحكى ابن شعبان قولًا ثانيًا: أنَّه يفسخ، ولا يمكن رب السلعة المغصوبة من إجازة البيع. وهذا لأن هؤلاء اعتقدوا أنَّ هذا إذا اشتراه منه كان منهيًا عنه، اقتضى ذلك فساد العقد. ولكن قد يقال في هذا: إنَّ الغصب لو علم به المشتري لم يمكن رب السلعة من إجازة ذلك وإمضائه، لكون المشتري قد دخل على غرر وهو ترقب إمضاء رب السلعة للبيع أو رده، كما قيل في أحد القولين عندنا في هذا. والعيب لو علم به المشتري ولم يكن (١) فعل البائع منهيًا عنه إذا علم أنَّ المشتري قد علم به، ولا يتعلَّق بعقده خيار لغيره، فيكون العقد فيه غرر.

ومن آكد ما يدل على أنَّ التدليس لا يمنع من صحَّة البيع حديث النهي عن التصرية فإنَّه عليه السلام قال: "لا تصروا الإبل فمن اشتراها فهو بخير النظرين إن شاء أن يمسكها وإن شاء أن يردها وصاعا من تمر" (٢) الحديث المشهور. فنصَّ ها هنا على أنَّ المشتري له الإستمساك بالبيع الذي دلس البائع فيه بالعيب.


(١) هكذا في النسختين ولعلَّ الصواب: لم يكن (بحذب. واو العطف).
(٢) فتح الباري ج٥ ص٢٦٥/ ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>