والجواب عن السؤال الثالث أن يقال: حكم المبيع إذا اطلع فيه على عيب فخير المشتى بين الرضا بالمبيع معيبًا ولا يسترد من الثمن شيئًا، أو يرد المبيع ويأخذ جميع الثمن على ما اقتضاه حديث المصراة. وسنعتذر عن ذكر الصالح في موضعه، إن شاء الله تعالى. وأيضًا فإن المشتري لا يلزمه أن يأخذ معيبا، وقد نقد الثمن في سليم من العيب, لأنَّ ذلك تجارة لم يرض بها.
وكذلك لا يلزم المشتري إذا بذل البائع له قيمة العيب قبول ذلك منه لأنَّه لم يرض إلَاّ بشراء سليم من العيب. وكذلك أيضًا لا يجبر البائع على دفع قيمة العيب لأنَّه لم يرض أن يبيع إلَاّ بالثمن الذي أخذه فلا يلزمه البيع بأقل منه.
فإن قيل: قد قلتم في استحقاق الأقل من المبيع إذا كان جملة عدد: إنَّ البيع منعقد في الأكثر، ويرجع المشتري بما استحق، فهلَاّ كان حكم العيب كذلك, لأنَّه جزء ذهب من المبيع كما ذهب الجزء بالاستحاق؟ قيل: استحقاق ثوب من عشرة أثواب لا يعيب الثياب الباقية ولا يزهد في المقصود منها. وإذا اشترى ثوبًا فوجد قطعًا أو خرقًا، فإنَّ ذلك الجزء الذاهب، وإن اختص بمحله، فإنَّه يسري إلى جملة الثوب، وكأنَّ العيب وجد في كل جزء منه، فصار المقصود من المبيع لم يحصل، فأشبه استحقاق الأكثر من العدد في المبيع. فإذا علم أنَّ الحكم مع قيام المبيع وكونه لم يتغيَّر تخيير المشتري من الرد وأخذ الثمن، أو يتمسك بالمبيع ولا شيء له، فإنَّ التراضي على أخذ الأرش وهو قيمة العيب جائز. قال القاضي أبو محمَّد في غير هذا: خلافًا لمن منعه.
والذي أشار إليه بأنَّه معه هو الشافعي, لأنَّه منع من ذلك. منع من أخذ عوض عما ثبت للشفيع عن إسقاطه ما له من التخيير في الأخذ بالشفعة أو إسقاطها على مالًا يأخذه, لأنَّه يقدر أنَّ التخيير المستحق في مثل هذا ليس بمال فيصح أن يعاوض عنه بمال. وخالفه ابن شريح من أصحابه فاجاز التراضي على أخذ الأرش، كما يجوز الترانحي على إسقاط القصاص، لكون ذلك مما يرجع إلى م الذي بعض الأحوال.