وهذا الذي أشار إليه القاضي أبو محمَّد في غير كتابه هذا من أنَّ مذهبنا جواز التراضي على أخذ الأرش، ومذهب غيرنا المنع منه، يجب عندي أن يفصل القول فيه إذا قصد إلى حكايته المذهب. فيقال: إن علم المتبايعان بمقدار قيمة العيب قبل التراضي به، فإنَّ هذا لا يمنع، ولا يتصوَّر فيه وجه يوجب المنع منه، لارتفاع الجهالة مع هذا التراضي، ويقدر أنَّهما استأنفا عقدا ثانيا بثمن معلوم. وأمَّا إن تراضيا على الرجوع بقيمة العيب، وهما غير عارفين بقيمته، فإنَّ هذا يجري عندي على القولين في مسألة استحقاق أكثر الصفقة المبيعة، كمشتري عشر ثباب استحق منها ثمانية، فإنَّ المشهور من المذهب منع المشتري من الاستمساك بالثوبين الباقيين بمقدار حصتهما، لكون ذلك كابتداء عقد بثمن مجهول. وأجاز له لك في كتاب ابن حبيب وكذلك التراضي بأخذ الأرش مع كون المشتري قادرًا على أن يرد المبيع المعيب ويسترجع الثمن المعلوم الذي دفع، فعدوله عن ذلك، كاستئناف عقد بثمن مجهول، فبمنع على المذهب المشهور.
والجواب عن السؤال الرابع أن يقال: العقود ثلاثة
١ - عقد معاوضة مبني على المكايسة كالبيع المحض، فهذا يثبت فيه الرد بالعيب.
٢ - وعقد طريقه الصلة المحضة كالهبة والصدقة، وهذا لا يتصوَّر فيه حكم الرد بالعيب، إذ لا عوض له يرتجعه بالرد بالعيب.
وعقد ظاهرة المكارمة وباطنه المعاوضة كالهبة المقصود بها طلب المكافأة، فهذا نبسط القول فيه في كتاب الهبات، إن شاء الله تعالى.
وحكى القاضي إسماعيل، رضي الله عنه عبد الملك ابن الماجشون أنَّ الموهوب لا يرد الهبة بالعيب. وقاله المغيرة إلَاّ في العيب المفسد. وكأنَّ من ذهب إلى هذا يقدر أنَّ الموهوب إنَّما قبل الهبة ليبذل أكثر من قيمتها، فإذا لم يكن قصد الموهوب المكافأة بالقيمة بل بأكثر منها, لم يكن له مقال, لأنَّ سبب وجوب الرد بالعيب ما يؤدي إلى الانتقاص ممَّا دخل عليه المشتري.
قال القاضي أبو محمَّد. رضي الله عنه: وحدوث عيب عند المشتري ليس