العيب اليسير الحادث عنده، فإنَّ الأبهري أشار إلى أن هذا الحكم إنَّما يختص بعيب حدث عنده لا يؤثر نقصًا بشرط أن يكون النقص يسيرًا. وقال بعض المتأخرين: إنَّما كان الأمر هكذا لأنَّ العيب من جهة البائع. فإن كان عالمًا به، فقد دلس وفعل ما لا يحل، وظلم والظالم أحق أن يحمل عليه. فإن لم يعلم، فإنَّه مفرط. إذ لم يكشف عن العيب قبل أن يبيع، والمفرط كالمتعمد في هذا المعنى، مع كون الغالب حدوث هذه العيوب اليسيرة، فيقدر البائع كالعاقد على أن يتجاوز عن المشتري فيها.
ومال بعض المتأخرين إلى أن لا يعفى للبائع عن العيب اليسير إذا اطلع عليه المشتري، ولا فرق بين البائع والمشتري في هذا.
وقد أشرنا نحن إلى ما قيل من الفرق بينهما من كون البائع مدلسًا ومفرطًا، فوجب أن يحمل عليه.
ومال بعض أشياخي إلى أنَّه لا يصفح للمشتري عن ذلك إذا لم يكن البائع مدلسًا، لأنَّه يرى المدلس ظالمًا يحمل عليه بخلاف من لا يدلس.
والجواب عن السؤال الرابع أن يقال: أمَّا ما ذكرناه عن محمَّد بن شجاع فقد وجَّهناه.
وأمَّا ما ذكرناه عن أبي ثور فإنَّه يحتج بحديث المصراة. وقد قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: "فمن ابتاعها فهو بخير النظرين إمَّا أمسكها أو رد وصاعًا من تمر"(١) الحديث المشهور. فقدر ما حلب المشتري كالنقص الحادث عنده، فرد عوضه وجعل له الإمساك من غير غرامة يطالب بها البائع.
والإنفصال عن هذا الذي قال أنَّ الذي احتلبه المشتري ليس كالعيب الحادث عنده، وإنَّما هو لبن فيه حق البائع، وهو ما كان حين العقد، وفيه حق للمشتري، وهو ما كان بعد العقد، لا يتميَّز هذا من هذا، فجعل عليه السلام عوض اللبن الذي من حق البائع مع الشاة. فأفاته قبل الرد.