للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من تعليل ابن القاسم من كون المشتري لم يبخس لأجل العيب شيء.

وقال بعضهم: إنَّما العلَّة في ذلك كون المشتري لم ييأس من الرد لجواز أن يرجع المبيع إليه فيرده على بائعه.

وروي عن مالك أنَّ المشتري يعتبر ما حصل في يده من الثمن، فإن كان الذي حصل له مثل الثمن الذي دفع فأكثر، فلا مقال له، لأنَّه لم يبع وقضينا له بالرد، لم يكن له سوى الرجوع بالثمن. والذي يقضى له بالرجوع به قد حصل في يديه. فكأنَّه ردَّ بالعيب وارتجع الثمن.

وإن كان الثمن الذي باع به أقل مما اشتراه هو به، كان البائع مخيرًا بين أن يكمل له الثمن. فإذا أكمله له، سقط مقاله لأجل ما قدَّمناه. وإن لم يكمله له أعطاه قيمة العيب من الثمن الذي قبض منه, لأنَّه يقول قد فاتت العين المبيعة المعيبة ولا قدرة لك على ردها، فلا يكون لك إلَاّ قيمة العيب، كما لو ماتت في يدك. وهذا أيضًا فيه إشارة ممَّا كنَّا قلَّمناه من كون الفوت يقدَّر في حق البائع خاصَّة. فإن شاء البائع ها هنا أن يجعل ما باعه المشتري كالفائت أعطى قيمة العيب. وإن شاء أن يجعله كالقائم، أكمل له بقيَّة الثمن. هذا مذهب أشهب، وهو اختيار ابن حبيب.

وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: يقضي للمشتري بقيمة العيب.

وقدَّر أن ذلك كالفوت في حقَّهما جميعًا كالحكم في الموت. وهو اختيار محمَّد ابن عبد الحكم وأضاف ذلك إلى موطإ مالك، فقال: قد قال مالك في موطئه: إذا فات المبيع بشيء من وجوه الفوت. وهذا المذهب هو اختيار أبي محمَّد عبد الوهاب. فقد ينفصل عن تعليل ابن القاسم بأنَّ المشتري الأوَّل يمكن أن يكون غير البائع، أو حال السوق بزيادة، فرأى المشتري العيب فحطَّ لأجله من الثمن ولم يعلم المشتري الأول أنَّ الذي اشترى منه حطَّ من الثمن شيئًا لأجل عيب رآه، ولو كان المبيع سالمًا لبذل له المشتري أكثر ممَّا عقده عليه من الثمن.

فالضرر لم ينتف عن المشتري. وبهذا أيضًا يتعقَّب مذهب أشهب من اعتباره

<<  <  ج: ص:  >  >>