للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى تعليله لو كان ذلك صدقة لا يمكن اعتصارها لكان لهذا المشتري المتصدق أخذ قيمة العيب، لكونه غير قادر على ارتجاعه إلى ملكه، لكون الصدقة لا تعتصر. وذهب ابن حبيب إلى أنَّه يأخذ قيمة العيب إذا وهب لابنه لكونه الآن قد خرج عن ملك المشتري، وقدرتُه على أن يرتجعه إلى ملكه لا يثبت بها حكم مارجع إلى ملكه.

وقد اشتهر ما تقتضيه أصول المذهب من الاختلاف فيمن قدر أن يملك، هل يعد كالمالك أم لا؟ وهذا الذي نحن فيه جار على الخلاف في هذا الأصل.

فإذا تقرَّر أن الهبة توجب أخذ القيمة للعيب إذا كانت هبة لا تعتصر، فالعتق أيضًا أولى بذلك، وبكونه فوتًا يوجب أخذ قيمة العيب، لكون الملك قد خرج به من يد المشتري خروجًا لا يأخذ عنه عوضًا، ولا استدرك به الظلامة، وهو ميؤوس من رجوعه إلى الملك. فكان أحرى بكونه فوتًا. ولا اعتبار ها هنا لحصول الثواب عن العتق، وتقديره عوضًا جعل له, لأنَّ هذا العوض ليس من جنس ما أخذه منه البائع هو المقصود في التعاوض بالأملاك. مع كون الرقية السالمة من العيب أكثر أجرًا في العتق من الرقبة المعيبة. فمقدار العيب لم يحصل عنه عوض لا من ناحية أعواض الدنيا ولا من أعواض الآخرة. وإن كان ربَّما حصل عوض الآخرة من ناحية نيّه المعتق. فكذلك الكتابة هي أيضًا فوت لأنَّها في معنى العتق، فأجري عليها حكم العتق ها هنا. ولا أعتبار بما يأخذ من المكاتب من عوض, لأنَّ النجوم ليست بدين ثابت مستقر في ذمَّة المكاتب.

فالعوض الذي دفع للبائع قد حصل له، والعوض الذي يأخذ هو من المكاتب لم يحصل له ولا هو مستقر في الذمَّة. وكون المكاتب يرتجى عجزه وعوده إلى الملك لا يمنع من كون الكتابة فوتًا يوجب الرجوع بقيمة العيب؛ لأنَّا إنما نعلِّل البيع على مذهب ابن القاسم بأنَّه قد استدرك الظلامة، على ما تقدَّم بيانه، وها هنا لم يستدركها، كما بيَّناه، مع كونه غير قادر على التصرُّف في المكاتب، فصار ذلك العتق في تمكينه من طلب قيمة العيب. لكن هذا المكاتب لو عجز بعد ما أخذ مشتريه الذي كاتبه قيمة العيب لأجل كون الكتابة فوتًا، فإن بعض

<<  <  ج: ص:  >  >>