وهذه الرواية الثانية هكذا ينقلها الأشياخ أنَّ قيمة الفائت ترد قيمة مطلقة.
وبعض أشياخي يقيدها بأنَّه إنَّما يرد القيمة إذا كانت أقل من الثمن. فأما إن كانت قيمة هذا الأدنى أكثر ممَّا ينوبه من الثمن المسمَّى لم يلزمه إلَاّ ما ينوبه من الثمن المسمَّى. فاعتبر في عوض هذا الفائت الأقل ممَّا ينوبه من المسمَّى أو قيمته.
وعندي أنَّه إنَّما سلك هذه الطريقة لكون الرد من حق المشتري لبطلان جلَّ صفقته لاحقًا عليه. فإذا كان الثمن أقل من القيمة، كان من حقِّه أن يتمسَّك به، ولا ينقض البيع فيه إذا كان الثمن الذي تمسَّك به معلومًا عند ابن القاسم.
وعند ابن حبيب له إمساكه ولو كان الثمن مجهولًا. وها هنا لمَّا وجبت المحاسبة والتقويم، ردَّ البيع فيه أو أمضاه، لم يمنع من التزام المبيع فيه.
وإذا تقرَّر هذا فإنَّ ابن المواز رأى أنَّ فوته إنَّما يحصل بعيب مفسد أو ذهاب عيب. (١) وأمَّا حوالة السوق فيه فلا تمنع من رده, لأن الرد بالعيب لا تمنع منه حوالة الأسواق. فلمَّا ردَّ العبد الأعلى الذي هو وجه الصفقة بالعيب، صار عيبه كأنَّه موجود في العبد الأعلى لأجل عيب تبعيض الصفقة.
وبعض أشياخي يرى أنَّ ظاهر مذهب ابن القاسم فوته بحوالة السوق, لأنَّه لمَّا ردَّ مع كونه سالمًا من العيب، صار ردُّه كاستحقاق ارتجاع عرض دفعه عوضًا عن عرض استحقَّ من يديه، فإنَّ حوالة السوق تفيته، على ما سنبيَّنه إن شاء الله تعالى. فإذا وجبت المحاسبة في الفائت على صفة ما ذكرناه فاختلف في صفته. فذكر البائع صفة إذا قوَّمت، كان الفائت ثلث الصفقة، وذكر المشتري صفة إذا قوَّمت كانت ربع الصفقة. فإنَّ البائع إن كان نُقد الثمن كله، فلم يختلف المذهب في أنَّ القول قوله في صفة الفائت. وإن كان لم ينقد فإنَّ ابن القاسم ذهب إلى أنَّ القول قول البائع أيضًا. وذهب أشهب إلى أن القول قول المشتري. والذي ذهب إليه أشهب هو الذي اختاره ابن الموّاز. والذي