للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحليف البائع أنّ هذا العيب لم يكن عنده، لأجل هذه الشّبهة الّتي وقعت في النّفس من إشكال الأمر على الشهود، وتجويزهم قدم العيب وحدوثه.

وليس كلّ شكّ يوجب تحليف المدّعى عليه. لكن لمّا كان هذا الشّكّ له مستند حاصل مشاهد وهو العيب، قويت هذه الشّبهة حتّى أوجبت اليمين على البائع مع هذا الشّكّ.

ولو كان المشتري قاطعًا بأنّه لم يحدث عنده والبائع قاطع بأنّه لم يحدث عنده، لخرجت اليمين ها هنا عن تعلّقهما بالشّكوك ووجبت اتّباعًا للأصول في الدّعاوي. ألا ترى أنّ من شكّ: هل له عند رجل مال، فإنّه لا يستحلفه بالشّكّ، ولا يمكن من خصومته، لمّا لم يكن لهذا الشّكّ مستند ولا شبهة يستند إليها. ولو كان عليه دين فشكّ. هلا قضاه أم لا؛ فإنّ تمكينه من تحليف من له الدّين فيه اختلاف في المذهب. فكأنّ من نفى اليمين عن صاحب الدّين يرى أن شكّ الغريم في قضاء الدّين لا مستند له، ولا شبهة توجب تعلّق اليمين لمن له الدّين. ومن أوجب على من له الدّين يمينًا رأى أنّ الشّكّ في قضاء الدّين يصيّر الدّين مشكوكًا في ثبوته في ذمّة الغريم، وصاحب الدّين يقطع أنّه لم يقضه شيئًا، وأنّ الدّين ثابت، فيكون القول قول الطّالب ها هنا ولكن مع يمينه لحصول شكّ في عمارة ذمّة الغريم.

وهذه مسائل كما ترى تارة يقوى مستند الشّكّ، وتارة يضعف فيسقط اليمين. ومن احتاط للأقدار ألاّ ستهضم (١) بالاستحلاف بالتّجويز والشّكّ أسقط اليمين. ومن نظر لصيانة الأموال على أربابها أوجب اليمين. ألا ترى أنّ رجلًا لو اشترى عبدًا فزنى عنده أو أبق، وحقّق الدّعوى على بائع العبد، أنّ ذلك كان عنده لم يُعلم به حين العقد المشتريَ، وإنّما استفاد علمه الآن وثبت أنّ العبد أبق عند المشتري أو زنى، فإنّ البائع يحلف ها هنا من غير خلاف لوجود العيب المشاهد. وهو سبب تستند إليه الدّعوى وقارنه تحقيق الدّعوى على البائع. وأمّا


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: تُهضَم.

<<  <  ج: ص:  >  >>