للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يده أو ما في هذه من حيتان. لكون المشتري دخل على أنّ العبد المشترى إن وجده أعمى أصمّ أبكم، لزمه الشّراء بالثّمن الّذي بذل. وإن وجده على صفة كمال سالمًا من العيوب، كان ذلك له. وهذا واضح ما فيه من الخطر والغرر.

ووجه الجواز على الجملة ما أشار إليه ابن حبيب من حكم عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان رضي الله عنهما, بإمضاء البيع المشترط فيه البراءة.

وقد ألزم عثمان بن عفّان عبد الله بن عمر لمّا باع (١) بالبراءة، الثّمنَ، لمّا اطّلع على عيب لم يعلم به حين العقد. فلو كان العقد عنده فاسدًا، ويراه غررًا، لم يغرمه الثّمن. ولا يفسخ العقد ولو تراضيا بإمضائه مع كون الضّرورة قد تمسّ إلى ذلك وتدعو إليه الحاجة والمصلحة. فعفي عنه كما يعفى عن عقود تضمّنت غررًا للضّرورة الدّاعية إلى العفو عن ذلك.

وهذا إِذا قيل فيه: إنّ قول الصاحب حجّة بمجرّده، وإن خالف القياس، كان للاحتجاج بما حكيناه عن الصّحابة، رضي الله عنهم، عمدة في هذا. وإن قلنا: إنّ القياس مقدّم على قول الصّحابيّ، فقد قال بعض البغداديين: إنّ المنع وإن أذى إليه قياس قويّ كما ذكرناه، فإنّ في مقابلته قياسًا ضعيفًا، وهو ما أشرنا إليه من الضّرورة الدّاعية إلى العفو عن هذا. وهذا القياس وإن كان ضعيفًا، فإنّه يترجّح على القياس القول بمذهب الصّحابيّ رضي الله عنه.

والجواب عن السؤال الثّاني أن يقال: اختلف المذهب عندنا في بيع البراءة مِمّا علمه البائع من العيوب. وأجاز ذلك أبو حنيفة والشّافعي، في أحد أقواله، على ما تأوّله عليه بعض أصحابه.

والدّليل على المنع، مع العلم بالعيب، أنّ البائع إِذا كانت العيوب لم يعلم بها، فالظّاهر سلامة المبيع من العيب، والظّاهر صدقه أيضًا لتحسين الظّنّ به سومح في ذلك.

وإِذا قال: لا أعلم بما بعت عيبًا، فإن ظهر بعد العقد فأنا بريء منه. فكان


(١) أي: اشترى.

<<  <  ج: ص:  >  >>