الظّاهر سلامة المبيع، وصدقه في هذا كعيب يستوي في الجهل به المتبايعان، وما استوى في الجهل به المتبايعان، لم يردّ به البيع، كعيب الخشب، على حسب ما قلناه وحكيناه من المذهب المشهور عندنا. وإِذا كان البائع عالمًا ارتفعت العلّة، وتبيّن القصد إلى المخاطرة والغرر, لأنّ البائع قادر أن يذكر ما علمه من العيوب بعبده من غير مشقّة عليه في ذلك، ولا ضرورة تدعو في إضرابه عن ذكره. فصار عقدًا على ما يعلم جقيقته، والمشتري لا يعلم حقيقته، وهو قادر على أن يعلمه إيّاها، وهذا لا يجوز.
وقد احتجّ أصحاب أبي حنيفة على الجواز بأنّ البائع لو باع ثوبًا مرفوًّا، وأرى رفوه إلى المشتري، والبائع يعلم كون الرّفو عيبًا، والمشتري لا يعلم كونه عيبًا، فإنّ البيع جائز، مع كون البائع إنفرد ها هنا بعلم.
وأجيب عن هذا بأنّ البائع قد أعلم المشتري بحقيقة هذا العيب، وأنكر المشتري جهل القيمة، وكون هذا الرّفو يحطّ منها، وهذا الجهل لا يمنع صحّة البيع كما لا يمنع منه كون البائع غبن المشتري بجهل القيمة، ومعرفته.
والجواب عن السؤال الثّالث أن يقال: اختلف قول مالك في بيع البراءة على أقوال:
منها حكايته عنه من منعه مطلقًا.
ومنها جواز ذلك مطلقًا في سائر المبيعات عرضًا كانت أو حيوانًا. ذكر ذلك عنه ابن حبيب. وحكاه عن ابن شهاب وربيعة ويحيى ابن سعيد وابن وهب من أصحاب مالك. وحكاه غيره عن ابن كنانة.
وحكي عنه منع ذلك في العروض وإجازته في الحيوان الصامت والنّاطق.
وذكر مالك في كتابه، وحكي عنه، جوازها في الحيوان النّاطق خاصّة.
وقد كنّا قدّمنا مصير بعض المتأخّرين إلى أنّه لم يختلف قوله في العيب اليسير، على حسب ماكنّا قدّمنا حكايته عنه.
وسبب هذا الاختلاف أنّ بيع البراءة إِذا كان إنّما عفي عنه لاستواء البائع