وأجاز التّبرّي من حمل الرّائعة الشّافعي. وكأن الشّافعي لم يفرّق بين سائر العيوب والحمل من جُملتها. وكأن مالكأرضي الله عنه وأصحابه يرون أنّ ما سوى العمل مِن العيوب، الظّاهرُ السلامة منها، والبائع يخبر ألاّ عيبَ بالمبيع، فصار الظّنّ بالسلامة من هذه العيوب يرفع الغرر. بخلاف العمل في الرّائِعة الّذي لا علم عند واطئها بالسلامة منه، فيقول على خبره، ولا الغالب أيضًا، والظّاهر من الحال يقتضي السلامة منه.
وأمّا التّبرّي من حمل أمة من الوخش، فإنّ ذلك جائز عندنا، لكون العمل لا ينقص من ثمنها مقدارًا كثيرًا، فلا يقتضي اشتراط التّبرّي منه غررًا، فجاز ذلك.
وإذا منعنا التّبرّي منه في الأمة الرّائعة، فإن البيع إذا عقد على ذلك، سقط الشّرط. وهل يسري ذك إلى فساد العقد أم لا؟ وهل يقع الضّمان بالقبض أم لا؟ هذا يبسط في موضعه إن شاء الله تعالى.
لكن حكى ابن حبيب عن مالك أنّ من باع أمة وهو مقر بوطئها، وشرط التبرّي من العمل أن الشّرط وإن بطل، فإنّه لا يبطل العقد. وأنكر الشّيخ أبو محمّد ابن أبي زيد هذه الرّواية لمّا رءاه شرطًا متّفقًا على فساده. وقال بعض المتأخّرين يلزم على هذه الرّواية أن يجوز التّبرّي من حمل الأمة الرّائعة. كما قاله الشّافعي، وينفذ العقد على ذلك ولا يفسد.
فمن يذهب إلى إمضاء العقد يقدّر هذا كأحد بياعات الشّروط التّي يسقط الشّرط ويصحّ البيع. وقد كنّا تكلمنا على أحكام الشّروط الفاسدة في كتاب البيوع الفاسدة، وأشرنا إلى ما يعلم منه وجه هذا المذهب.
وعندي في هذه المسألة أنّ لو كانت الأمة ذات زوج أو ظاهرة الزّنا، لم تردّ بعيب حمل، لكون المشتري دخل على ذلك، فلا يحطّ ذلك من ثمنها ما يتضمن غررًا في العقد، لكونها معرّضة للحمل.
وقد وقع في بعض الرّوايات فيمن إشترى زوجته فانفسخ نكاحه بشرائها،