للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا تنفعهم البراءة. وقيل: تجوز البراءة في هذا. ذهب إلى هذا عبد الملك وغيره. وإحتجّوا يكون السلطان والورثة بيعهم بيع براءة وهم (١) يختبروا البيع.

وقد يجاب عن هذا بما كنّا قدّمنا الإشارة إليه من كون السلطان إنّما يبيع لدين يقضى يجب تعجيله. والسلطان إن كان لم يختبر المبيع، فإنّ الضّرورة لقضاء الدّيون تقتضي جواز بيعه بالبراءة. وكذلك الوارث إذا باع لقضاء دين أو إنفاذ وصيّة. والّذي باع مال نفسه لم تدع ضرورةُ مراعاةِ حقِّ غيره إلى استعجال البيع، فمنع من البراءة قبل الإختبار للمبيع.

والجواب عن السؤال السادس أن يقال: قد قدّمنا أنّ بعض المتأخّرين أنكر اختلاف قول مالك في جواز البراءة من العيب اليسير، وحمل اختلاف قوله على العيب الكثير. ومنهم من يحكي عنه الخلاف مطلقًا. وقال المغيرة إنّما تجوز البراءة في العيب اليسير، كالثّلث فأقلّ، فأمّا إذا زاد على الثّلث، فلا تجوز البراءة. فكأن من أجاز التبرّي على الإطلاق يعتلّ بأنّ سبب الجواز كون البائع والمبتاع استويا في الجهل بالمبيع، وما استويا في العلم أو الجهل به جاز العقد عليه واتبع الغرر فيه. وهذا يقتضي جواز البراءة في العيب الكثير واليسير.

ومن يمنع البراءة في العيب الكثير، يعتلّ بأنّ الأصل المنع من بيع البراءة لأجل ما فيه من الغرر، على حسب ما بيّناه فيما تقدّم، والغرر إذا خفّ وكان يسيرًا غير مقصود، لم يمنع، وإذا كان كثيرًا مقصودًا عظم التّخاطر فيه واتّضح الغرر، فوجب أن يمنع. والعيب الكثير مِمّا يعظم التّخاطر بخلاف اليسير.

ومن هذا بيع الجارية الرّائعة بشرط البراءة من العمل، وليس بها حمل ظاهر، فإنّ المذهب المنع من ذلك. واحتجّ صاحب المذهب بعظم الغرر في هذا الاشتراط، وأنّ العمل يحطّ من ثمنها كثيرًا، ومقدارًا عظيمًا، فوجب أن يمنع هذا التبرّي من العمل العظيم (٢) الغرر فيه.


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: وهم لم يختبروا.
(٢) هكذا ولعل الصواب لعظم.

<<  <  ج: ص:  >  >>