للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمّا بيعه لحاجة الورثة، فلاحقٌ ببيع الإنسان مالَ نفسه لكون الدّيون والوصايا يجب إنفاذهما، ومن حقّ أهلها أن يعجّل لهم حقّهم إن طلبوه. والسلطان والورثة والوصيّ جاهلون بحال المبيع، وهم مطالِبون باستعجال البيع. فحمل بيعهم على البراءة لأجل هذا، بخلاف بيع الإنسان مال نفسه.

ولو باع الورثة بشرط البراءة ولم يعلم المشتري أنّ البائع منه وارث، لصحّت البراءة، لكون الاشتراط ها هنا صادف محلًّا للحكم فيه، مع إطلاق البراءة من العيوب، فروعي حكم المحلّ لمّا ضامّه الاشتراط. بخلاف بيع رجل مال نفسه الّذي لم يرثه، لكون الاشتراط للبراءة لم يصادف محلًّا يوجب إطلاق البيع فيه البراءة. وإذا صادف الحكم محلّه نفذ وإن لم يعرف لمحلّه. وهذا غير الّذي ذكر ابن القاسم (١) من ثبوت البراءة يشبه من تزوّج امرأة زوجها غائب، وهذا الزّوج لم يعلم بموْت الزّوج الغائب، فلم يفسح نكاحه حتّى ثبت أن الزّوج الغائب مات وانقضت عدّة الزّوجة منه قبل عقد هذا الرّجل الثّاني نكاحه، فإن النكاح يمضي لمّا صادف محله وإن جهل في ظاهر الأمر حصول المحلّ.

وكذلك من قام إلى خامسة في صلاة الظّهر عمدًا، فإذا به قد فسدت عليه ركعة يجب قضاؤها حتّى صارت الرّكعة المزيدة وقعت في محلّها، فإن هذا يجري مجرى واحدًا.

وقد تكلّمنا على ما قيل في هذا في كتاب الصّلاة من كتابنا هذا.

وقد اختلف المذهب في اشتراط البراءة إذا باع الإنسان مال نفسه، هل يسوغ له ذلك، و (٢) إن لم يختبر المبيع، وإنّما باعه بحِدْثان ملكه له، أو لا يسوغ له ذلك إلَاّ بعد اختبار المبيع؟ فالمشهور أنّه لا ينفعه التبرّي من عيب إلاّ بعد أن يكون مختبرًا للمبيع. فقال في التّجّار يقومون بالرقيق فيبيعونه بالبراءة، ولم تطل إقامة الرّقيق عندهم،: هؤلاء يريدون أن يذهبوا بأموال النّاس باطلًا،


(١) هكذا في النسختين.
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: حذف الواو.

<<  <  ج: ص:  >  >>