للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعتذر عن هذا بأن قِدَم العيب لم يثبت يقينًا، وإنّما ثبت بقول علماء الطّبّ، وقد يخطِئون فيما يعتقدون من المداواة والعلل. فلهذا لم يحكم ها هنا بقدم العيب على القطع.

وهذه الرّواية لم يرجع اليمين فيها على المشتري على طباق ما وجبت على البائع, لأنّ طباق ما وجبت على البائع أن يقول المشتري: بالله لقد علمت أنها البائع بها. ولكن هذا لا يلزمه لعدم القطع على علم البائع كما قدّمناه. وإنّما صار في هذه الرّواية إلى استحلاف المشتري لأجل أنّ الأصول تقتضي أنّ اليمين إذا وجبت في محلّ فعدل عنها، انتقلت إلى المحلّ الآخر.

هذا إذا ثبت قدم العيب.

وأمّا الوشكّ في قدم العيب أو حدوثه، فإن فيه قولين:

أحدهما إثبات اليمين، إذا وجبت، لحصول الشك في كون هذا العيب كان عند البائع، وفي كونه علم بما فيه، فيفتقر إلى رفع هذا الإمكان إلى يمين البائع.

وقيل: لا يمين عليه ها هنا لأجل أنّ المؤثّر في الرّدّ علم البائع بالعيب.

فإذا ثبت قدم العيب، حلف على نفي إمكان واحد. وإذا لم يثبت قدمه وشكّ في حدوثه عند المشتري، لم يؤثّر إمكان كونه عالمًا بالعيب إلاّ بعد إمكان وجه آخر، وهو كون العيب قديمًا عند البائع. فلمّا صار الإمكان ها هنا لم يتصوّر إلاّ بواسطة وإمكان آخر ضعف تعلّق اليمين.

هذا هو وجه الاعتبار فيما قدّمناه. لكن عوّل مالك، رضي الله عنه، فيه على قضيّة عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، فإنّه حكى في موطئه أنّ عبد الله بن عمر باع غلامه فقام المشتري بعيب فيه، وقال لابن عمر: بعتني، وبه داء لم أعلم به. فاختصما إلى عثمان، رضي الله عنه، فقضى على عبد الله بن عمر باليمين أنّه لم يعلم بالعيب، فأبى أن يحلف، وارتجع العبد، فذهب عنه الداء فباعه عبد الله بن عمر بعد ذهاب دائه بألف وخمسمائة درهم. وقد كان بيعه

<<  <  ج: ص:  >  >>