الأول بثمانيمائة درهم. فاقتضى هذا الأثر كون البراءة لا تؤثر فيما علمه البائع من العيب. واستحلاف البائع على أنّه لم يعلم بالعيب. وقضِيَ بذلك على ابن عمر، رضي الله عنه،- وإن كان من الفضل، وبروز العدالة، والمبالغة في الدّيانة، بحيث لا يتّهم، طردًا لهذا الحكم وجَعْلِه كقضيّة كلّية في الصالح وغير الصّالح، كما كنّا قدّمنا في بياعات الآجال واعتللنا به في حماية الذّرائع.
وظاهر هذا الحديث يقتضي ألاّ يوقف يمين البائع على دعوى المشتري أنّ البائع عالم بالعيب, لأنّ عثمان، رضي الله عنه، لم يطلب المشتري أن ينطق بهذه الدّعوى. وهذا هو الأظهر في الرّوايات إذا طالب المشتري استحلافه ولم يدع أنّه عالم يكون البائع عالمًا.
وقد قال لبعض المتأخّرين: إنّ الرّواية التي قدّمناها عن ابن (١) المذكورة في المستخرجة من قوله: إذا نكل البَائع، لم يردّ البيع إلاّ بعد يمين المشتري.
يقتضي وقف هذا الحكم على دعوى المشتري: أنّ البائع عالم بالعيب.
وهذا الّذي قاله فيه نظر, لأنّا قدّمنا أن هذه الرّواية التّي أشرنا إليها لم يلزم المشتري فيها أن يحلف على أن البائع عالم بالعيب. فإنّما تلزمه اليمين على أنّه لم يعلم أنّ هذا العيب حدث عنده. فلا يكون في هذا تعلّق بما أشار إليه. هذا فيما استقراه من هذه الرّواية.
والجواب عن السؤال الثّامن أن يقال: ذكر بعض المتأخّرين أن بيع البراءة إذا وقع من السلطان وأهل المواريث الّذين باعوا لِقضاء دين أو إنفاذ وصيّة، فإنّ المشتري إذا اطّلع على عيب قبل أن يفوت الثّمن ويفرّق على الغرماء فإنّ له الرّدّ بالعيب. فإذا فرّق الثّمن على الغرماء، لم يردّ بالعيب.
فحصول تأثير البراءة في بيع السلطان والمواريث، كما قدّمناه، لكون الثمّن قد فات واقتسمه الغرماء. فصارت هذه ضرورة تقتضي منع الردّ بهذا العيب. بخلاف أن تكون البراءة إنّما تثبت باشتراط، على أحد القولين المتقدّمين،
(١) بياض في المدنية غير موجود في الوطنية مقداره كلمة ولعلها: القاسم.