فيما باعه الإنسان لنفسه واشتراط البراءة منه، فإنّ المشتري لا قيام له بعيب، وإن كان الثّمن حاضرًا، لكون اشتراط البراءة من ثبوت حقّ له في هذا العيب.
وهذا فيه نظر عندي لا ينحقّق فرق بين بيع السلطان وبين اشتراط البراءة فيما باعه الإنسان لنفسه في هذا. لأنّ بيع السلطان إذا كان الحكم يوجب البراءة فيه، كان ذلك كبراءة تجب بالاشتراط. بل ربما كان ما يجب حكمًا آكد مِمّا يجب شرطًا. فهذا مِمّا ينظر فيه.
لكن قد وقع في المدنيّة في السلطان إذا باع وثبت أنّه علم بالعيب فيما باعه، أو ثبت أنّ الغريم الّذي بيع ذلك عليه عالم بالعيب، أنّ داود بن جعفر روى عن مالك أنّ المشتري يردّ هذا المعيب إذا كان حاضرًا. فإذا كان فرق على الغرماء لم يرد بذلك، مع كون هذه البراءة قد بطلت بعلم البائع بالعيب، فوجب الرّدّ.
وفرْق بين كون الثّمن قسم على الغرماء أو لم يقسم، فمنع من الرّدّ إذا قُسِم، لكون هذه ضرورة تمنع من ردّ البيع. بخلاف إذا كان الثّمن حاضرًا.
وهذه التّفرقة تشير إلى التّفرقة التّي حكيناها عن بعض المتأخّرين فيما يثبت من البراءة حكمًا لاشرطًا.
وقد حكي عن مالك وابن نافع، وغيرهما من أصحاب مالك: أنّ العلم بالعيب حين عقد السلطان له الحكم المطالبة بقيمة العيب. وقدّر في هذا القول أنّ هذا المعيب، وإن كان المعيب لم يفت، فإنّه يقدّر كمبيع فات يكون الحكم فيه المطالبة بقيمة العيب، لكون الثّمن اقتسمه الغرماء، ويعسر ردّه منهم.
والمشهور من المذهب تمكين المشتري من الرّدّ إذا ثبت كون السلطان عالمًا بهذا العيب حين باع والرجوع بالثّمن على الغرماء.
وقد وقع لسحنون فيمن قيم عليه بسقوط أضراس عند بائعه. فقال البائع للمشتري: تبرّأت إليك منها، فأنكر المشتري، فأتى البائع ببيّنة: أنّه باع بالبراءة مطلقًا، أنّ هذا لا ينفعه. لكون قوله: تبرّأت إليك منها تتضمن أنه عالم بهذا