أحدهما الضّمان من جهة حقّ توفية لزمت البائع بكيل أو وزن أو عدد، أو بالتّسليم وإمكانه. وهذا يؤخّر الكلام عليه إلى فراغنا من هذا الفصل، وإن كان يعدّ منه أوّلًا. وقد ذكره في المدوّنة في أوّل كتاب الرّدّ بالعيب. ولكن أخّرناه لتأخير القاضي أبي محمّد رحمه الله في كلامه على العيوب.
والقسم الثاني تعلّق الضمان بالبائع بعد قبض المشتري المبيع. وهو الّذي نبيّنه في هذا الفصل.
والجواب عن السؤال الثّاني أن يقال: هذه العهدة التّي نتكلّم عليها على وجهين: عامّة في الضمان، وخاصّة.
فأمّا العامّة من ناحية الضّمان، ففي عهدة الثّلاثة أيّام.
وأمّا الخاصّة من جهة الضّمان عهدة السنة، فإنّ البائع لا يطالب فيها إلاّ بضمان ثلاثة أدواء، إن ظهرت، وهي الجنون والجذام والبرص.
وأمّا عهدة الثّلاث، فإنه يضمن البائع سائر ما حدث من الأمراض فيها والنّقص كلّه وذهاب العين. لكون هذه المدّة جعلت في الشّرع مضافة إلى ملكه، والمالك مصيبة ما حدث في ملكه منه. وإذا كان كذلك كانت النّفقة على البائع، والكسوة. كما يكون ذلك عليه في ملكه.
ومقتضى هذا أن تكون له الغلّة في هذه الثّلاثة أيّام. لكن هذا المعنى نبسطه في الفصل الّذي وعدنا بالكلام عليه بعد هذا. فإنّ رأي بعض أشياخي أنّ الغلاّت فيما بيع واحتبس بالثّمن يجري على القولين في ضمان ما حبس بالثّمن.
فإن قلنا: ضمانه من البائع، كانت الغلاّت له, لأنّ الخراج بالضّمان. وإن قلنا: إنّ الضّمان من المشتري، كانت الغلاّت له. وهكذا قال سحنون لمّا ذكر اختلاف قول مالك في بيع الغائب أنّ النّماء والنّقصان يجري على اختلاف قوله.
وإن كان القاضي أبو محمّد أشار في بعض كتبه إلى ارتفاع الخلاف في الغلّة، وأنّها للمشتري. لكن المنصوص ها هنا أنّ ذلك للبائع. وقد قال في كتاب بيع الخيار من المدوّنة: ما جنى على العبد في الثّلاث أو تصدّق به عليه، فإنّه للبائع.