للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلم يباع على النّصرانيّ الذي اشتراه ولا يفسخ بيعه. وهذا هو المشهور عنه.

وروى ابن شعبان عنه في مختصر ما ليس في المختصر أنّ البيع يفسخ. وهذا في كتاب ابن حبيب أنّ البيع يفسخ.

واختلف قَول الشافعي، على حسب ما اختلف قَول مالك فيه، فقال مرّة: يباع عليه. وقال مرّة أخرى: يفسخ.

وذهب أبو حنيفة إلى أحد قولي مالك والشّافعي. فقال: يباع عليه إلاّ أن يخرجه مشتريه النّصراني من يده بعتق أو كتابة فلا يباع عليه، فجعل الكتابة تحلّ محلّ بيعه عليه. وظاهر مذهب الشافعية في الكتابة أنها عندهم على قولين في كونها تحل على بيعه عليه، وأمّا نحن فلا يختلف مذهبنا في أنّ الكتابة لا تجزي في رفع يده عنه، لكون المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وأحكام الرقّ باقية عليه لِسَيِّده النّصراني فلا يكتفَى بها في إخراجه من يد النّصرانيّ الذي اشتراه.

فأمّا من ذهب إلى أنّه يباع عليه ولا يفسخ فإنّه يستدلّ بقول الله سبحانه: {وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ} (١). وبأنّ النّصراني لا يمنع من التجْر وطلب الأرباح في سائر أنواع المتَملكات؛ والعبد المسلم يكون كأحدها، وإنّما حقه في رفع إذلال الملك للنصرانيّ. وهذا الحقّ يصل إليه ألمسلم ببيعه على النّصرانيّ. كما أنّ الإنسان ممنوع من إذلال أبيه وقهره. فإذا اشتراه عتق عليه ولم يفسخ مع كون الأبوّة تأبى الملك. فعتق الأب يرفع عقوقه بإذلال الملكة. فكذلك بيع هذا يرْفع إذلال الرقّ عنه للنّصرانيّ بيعه من مسلم. وأيضًا فإنّ الكفر لا ينافي ملك ملك المسلم. ألا ترى أنّه يصحّ ملكه للنّصراني بحكم الميراث، مثل أن يسلِم عبد للنّصرانيّ ويموت سيده قبل أن يباع عليه، فيرثه ولده النّصراني فيباع العبد على النّصرانيّ. فإذا صحّ ملكه بالميراث صحّ ملكه بالشّراء ولو كان الكفر ينافي الملك لم يملكه بميراث ولا بشراء.


(١) سورة البقرة، آية ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>