للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا من ذهب إلى فسخ البيع فإنّه يحتجّ بقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ الله لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (١). وإقرار ملك النّصراني على المسلم إلى أن يتّفق بيعه عليه إيجاد للكافر سبيلًا على المؤمن؛ وهذا خلاف ما قال الله تعالى.

وأيضًا فإن الشّراء إما أن يكون لقربة أو يكون لبيع لطلب ربْح وتنمية وتحصيل منفعة وغرض. فإذا كان النّصرانيّ لا يُقَرّ في يديه مسلم إذا اشتراه لم يحصل له فيه طلب التنمية أو المنفعة. ولا يصحّ أن يشتريه تقرّبًا إلى الله عزّ وجلّ، كما يشتريْ المسلم أباه فيعتق عليه تقرّبًا إلى الله. فيقتضي هذا كون العقد عليه لا يصحّ، كما لا يصحّ عقد المسلم على شراء خشاش وما لا منفعة فيه.

فإذا قلنا بفسخ البيع فإنّ ابن شعبان حكى أنّه يفسخ، وإن باعه النّصراني الذي اشتراه من مسلم وتداولته أملاك المسلمين فإنّ البياعات كلّها تفسخ وإن فات العبد في يد النصراني قبل أن يفسخ بيعه فإنّه يضمنه بقيمته.

وهذا الذي قاله من فسخ البياعات كلّها مع كون البيع الصحيح يفيت البيع الفاسد. والنصراني الذي اشتراه إذا باعه من مسلم ثم باعه المسلم من مسلم آخر يجب أن يكون هذا فوتًا، ولا ينتقض إلَاّ البيع الأوّل.

فهذا الذي ذكره ابن شعبان كأنه مخالف لأصل المذهب، لكن يمكن الاعتذار عنه بأن هذا البيع لمّا كان مجمعًا على منعه وتحريمه كان غير منعقد ولا فيه شبهة العقد، وأصل سحنون في هذا أنّه لا يضمن كما لا تضمن البياعات الفاسدة، لولا أن ابن شعبان قال: إن فات في يد النّصرانيّ ضمنه بقيمط. فهذه الزيادة. الّتي أضافها إلى فسخ البياعات كلها يمنع من إجرائها على طريقة سحنون.

ولو أنّ مسلمًا اشترى من نصرانيّ عبدًا نصرانيًّا فأسلم، فإن ابن القاسم ذكر عنه ابن حبيب أنّ هذا المشتري المسلم إذا اطّلع في العبد على عيب فإنّه يردّ على النصرانيّ الذي باعه منه، ثم يباع على النّصرانيّ، وذكر عن أشهب أنّه لا يرد عليه، وإنّما له طلبه بقيمة العيب كما يطلبه بذلك لو فات في يده.


(١) سورة النساء، الآية: ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>