منها إلاّ بعد أن يدفع صداق المثل بناء على أنّ قبضها للخمر لا تأثير له، والعقد لا يجب إمضاؤه لكن كبيع فاسد فات يُرجع فيه إلى القيمة، والعقد على هذا كالفوت يجب فيه الرّجوع إلى قيمة البضع وهو صداق المثل. وعلى القول الآخر يمكن الزّوج من الدّخول بها من غير غرامة تلزمه بناء على أنّ العقد لا يفسخ وكأنهما تقابضا الثمن والمثمون قبل إسلامها. ولو كان المسلم في خمر ثم أسلم المتبايعان قبل قبضهما، يجري ذلك على ما أصّلناه من الخلاف. فقد قال سحنون في السليمانية: ليستمسك المسلم إليه برأس المال من غير عوض يلزمه. وهذا إبقاء منه على إمضاء عقودهم الفاسدة إذا وقع الإِسلام منهما بعد عقدهما، فلا يلزم قابض رأس المال أن يرفه لأنّ ردّه إلى دافعه فسخ له.
ومذهب هؤلاء أنّ العقد لا يفسخ لوقوع إسلامهما. لكن سحنون رأى أنّ الواجب لمّا قبض المسلَم إليه رأس المال ولم يوجب عليه ردّه، أن يغرم الخمر الّتي هي عوض رأس المال الذي أمضيناه له، وهو لا يصح منه غرامتها لكونه أسلم، والمسلم لا يسوّغ له شراء الخمر ليقبضها في دين، ولا يسوغ أيضًا لمن أسلم فيها أن يعطاها، ولو أعطيها لأريقت عليه، فاقتضى هذا بطلانها من الذمّة، وإمضاء رأس المال لقابضه من غير غرامة عليه وسلك محمَّد بن عبد الحكم هذه الطّريقة في إمضاء العقد وكونه لا يفسخ ولم يقبّض (١) بالخمر لما عللّناه به من منع القضاء بها، فعدل عن ذلك إلى أن يكلّف من بني عليه غرامةً غرامةَ قيمتها عوضًا عن عينها، لما استحال عْنده القضاء بالعَيْن، لكونها لا يصحّ ملكها في الإِسلام، ورأى أنّ من أسلم دنانيره في خمر فيقضى بأن لا تردّ إليه، ولا يأخذ عنها عوضًا إضرارًا به، ومخالفة لما تعاقدَا عليه، فعدل إلى إغرام القيمة لرفع الضرر وطلبًا للمساواة بين المتعاملين.
وعلى الطريقة الثانية في أنّ العقد يفسخ من أصله، يردّ عليه رأس المال. فكأن هؤلاء أمروا بردّ رأس المال ليتحقق فسخ العقد، إذ لو لم يردّ لم يكن للفسخ معنى