ورأى ابن عبد الحكم أن العقد لا يفسخ، ولكن يردّ عوض ما لا يحل تملك قيمته. والقيمة عنده لا تعتبر حين العقد (١)، كانا يعتقدان جواز ما صنعا وإنّما اعتقدا إبطاله لما أسلما، فتكون القيمة يوم المحاكمة لمّا أسلما. وهكذا اختلف أيضًا في النصرانيّة إذا تزوّجت نصرانيًّا بخمر، ودخل بها الزّوج قبل أن يدفع الخمر، ثم أسلما. فقيل: عليه صداق المثل، بناء على أن العقد يفسخ، وترجع إلى قيمة السّلعه الفائتة لعقدٍ فاسد كما قدمناه. وقيل: لا شيء على الزوج سوى الخمر الذي بذله صداقًا، وهو لو دفعه إليها لما أسلمت لأريق عليها، فلا فائدة في المطالبة به. وعلى قول محمَّد بن عبد الحكم يكون قيمته بدلًا من عينه.
فحصل من هذا أنّ ما يحلّ تملّكه فيه قولان، هل يفسخ ويقضي بردّ رأس المال أو يمضي ويقضي بأخذ العوض عن رأس المال على ما هو عليه؟ وإذا كان لا يحلّ تملّكه كالخمر ففيه ثلاثة أحوال:
فسخ العقد وردّ رأس المال.
وإمضاؤه وسقوط العوض الذي هو الخمر فلا يغرم لتعذر غرامته وكأنها كالمستحيلة في حق المسلمين فبطل العقد.
أو يغرم القيمة بدلًا من العين الّتي لا تحلّ.
وأمّا إذا أسلم أحد المتعاملين وبقي الآخر على دينه. فإذا قلنا: إنه لا يفسخ العقد إذا أسلمَا جميعًا، وقد قبض أحدَ العوضين، مع كونهما يَدِينَان بدِينِ الإِسلام الذي يحرّم عليهما فيه استئناف مثل هذا العقد. فكذلك إذا أَسلم أحدهما مع كون الآخر تعلّق له حقّ، وهو يعتقد أن العقد الذي فعل حلال له.
وإذا قلنا بفسخ العقد إذا أسلما جميعًا، فإن ابن القاسم ذهب إلى فسخه، لكونه حكمًا بين مسلم وذميّ، والحكم بينهما كالحكم بين المسلمين.
وأمّا مالك فإنّه يتوقّف في ذلك إذا تعلّق للنّصراني حقّ في إمضائه، فقال: