يحصل اليقين ها هنا إلا بما قلناه من الجمع بين استعمال هذا الماء لجواز أن يكون هو الطاهر، وبين التيمم لجواز أن يكون هو النجس. فإذا ثبت أن الحكم على هذه الطريقة =الجمع بينهما= فما الذي يقدم على صاحبه؟ يتخرج على قولين قدمنا ذكرهما في حكم الماء المشكوك فيه. فأحد القولين تقدمة الماء إذ لا يصح التيمم مع وجوده. وهذا الماء يجوز أن يكون هو الطاهر فيؤمر بإتلافه حتى يحصل التيمم بعد عدم الماء. والقول الثاني أن يقدم التيمم لجواز أن يكون الباقي (١) هو النجس. فإذا قدمه في الاستعمال نجس أعضاءه ونجاسة الأعضاء لا يرفعها التيمم. فوجب أن يقدم التيمم ليأمن من هذا الوجه الممنوع ويجب أن يكون حكمه عند من قال من أصحابنا بالتحري فيهما، الاجتهاد في الباقي والتحري فيه أيضًا. لأنه إنما وجب التحري لتأتي حصول الظن بالطاهر منهما عند تأمل حاله، وتميز أوصافه. وهذا المعنى يتأتى في الباقي منهما، كما كان يتأتى فيه مع وجود صاحبه. فوجب ألا يرتفع ما ثبت من جواز الاجتهاد والتحري في هذا الباقي.
وذهب بعض القائلين بالتحري إلى منع التحري ها هنا. واعتل بأن التحري إنما يكون بين أمرين فأكثر كالقبلة وغيرها. وهذا ضعيف. لأن كثرة العدد وقلته لا تأثير له إذا تأتى الاجتهاد. وتأتي حصول الظن بطهارة الواحد منفردًا كتأتي ذلك فيه مع إضافته إلى غيره، فلم يكن لمراعاة العدد معنى.
ولو أمكن في القبلة أن تتقرر جهة واحدة بالشك في كونها قبلة دون ما سواها، لكان الحكم التحري فيها كما قلناه ها هنا. ولكن ذلك لا يمكن؛ لأنه متى اعتقد في ثلاث جهات أن القبلة ليست فيها، فقد تحقق أن القبلة في الجهة الواحدة الباقية. واستحال الشك فيها. فلهذا لم يكن التحري في القبلة إلا بين أمرين فأكثر. فإن تحرى فيه فعتذر عليه حصول الظن بطهارته فيجب أن ينتقل إلى التيمم أو يجمع بينه وبين التيمم على الطريقة التي قدمنا. فإن كان الإناءان باقيين فتحرى فيهما، فغلب على ظنه أن أحدهما هو الطاهر، فتطهر به وصلى. ثم تغير اجتهاده واختلف اعتقاده، فإن كان تغير اجتهاده إلى اليقين بخطئه في اجتهاده الأول فإنه يغسل ما أصابه منه. ويعيد الصلاة؛ لأنه تيقن الخطأ فأشبه