للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثيابهم وأبدانهم من أن يمسها ما يفضل عن أعضائهم. ولم ينقل عن أحد غسل ما أصابه منها. فصار هذا كالإجماع على طهارته. فلا يعتبر بقول من ذهب إلى نجاسته. واختلف هل يسلبه استعماله التطهير أم لا؟ فقيل لا يسلبه التطهير ولكنه يكره استعماله مع وجود غيره. وقيل بل يسلبه التطهير. والواجب التيمم مع وجوده. وقيل هو في معنى المشكوك في حكمه. والواجب الجمع بين فوجه الأول قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (١). وطهور من أبنية المبالغة. والمبالغة تتضمن التكرير فإذا تضمنته ها هنا ثبت كون الماء مطهرًا (٢) مرة بعد أخرى. فإن قيل لا فرق في العربية بين فاعل وفعول في الفعل الجامد كقولك صابر وصبور في أنهما لا يتعديان، ولا في الفعل المتعدي كقاتل وقتول في كونهما متعديين. فلما كان طاهر لا يتعدى وطهور مثله قيل قد فرقت العرب بين فاعل وفعول، جامدًا كان أو معتديًا. لأنهم قالوا صابر وقاتل لمن فعله مرة، وصبور وقتول لمن تكرر ذلك منه. فيحمل طهور على إفادة التكرار طردًا للأصل. فإن قيل هذا يصح على أحد قوليه في صحة التطهير بالماء مرة بعد أخرى. فإن منعتموه امتنع التكرار. وإذا امتنع التكرار امتنع الفرق. قيل أما على هذا القول فترجع التفرقة إلى الجهة الأخرى وهي حمل طهور على التعدي لا أكثر، فيفارق طاهرًا من هذه الجهة. لأن طاهرًا لا يتعدى. ولا بد من اعتبار الفرق من هذه الجهة لما بطل اعتباره من الجهة الأخرى على هذا القول. فإذا لم نثبت بينهما فرقًا خالفنا ما أصَّله أهل اللسان. فإن قيل لا يوسف الفعل بالتعدي حتى تحصل منه التعدية، ولهذا لا يقال قاتل قبل وجود القتل. وأنتم تصفون الماء بكونه طهورًا قبل حصول التطهر به وتمنعون هذا الوصف على قولكم هذا بعد وجود التطهر به. وقيل إنما يصح ما قلتموه فيما يتوهم فيه وجود الفعل وعدمه كالقتل والضرب. لأن الإنسان قد يقتل وقد لا يقتل فأما ما يكون معنى


(١) سورة الفرقان، الآية: ٤٨.
(٢) طهورا -ق-.

<<  <  ج: ص:  >  >>